عشر القاطعة في «الكلمة العاشرة» وفي الأسس الستة التي تتضمنها «الكلمة التاسعة والعشرون» ودلائلها الكثيرة القاطعة بقطعية شروق الشمس بعد مغيبها. وقد أثبتت تلكما الكلمتان: أنَّ الحياة التي هي شمس معنوية لهذه الدنيا ستطلع طلوعاً باقياً صباح الحشر بعد غروبها بخراب الدنيا. وسيفوز قسمٌ من الجن والإنس بالسعادة الأبدية وينال قسم منهم الشقاء الدائم.

ولما كانت الكلمتان «العاشرة» و «التاسعة والعشرون» قد أثبتتا هذه الحقيقة على أتم وجه نحيل الكلام إليهما ونقول:

إنَّ الصانع الحكيم لهذا الكون والخالق الحكيم لهذا الإنسان الذي له علم محيط مطلق وإرادة كلية مطلقة وقدرة مطلقة -كما أثبتت في التوضيحات السابقة إثباتاً قاطعاً- قد وعد بالجنة والسعادة الأبدية للمؤمنين في جميع كتبه وصحفه السماوية. وإذ قد وعدَ فلاشك أنه سيُنجزه. لأن إخلاف الوعد محال عليه، إذ إن عدم إيفاء الوعد نقصٌ مشين. والكامل المطلق منزّه عن النقص ومقدس عنه. وإن عدم إنجاز الموعود، إمّا أنه ناتج من الجهل أو العجز، والحال أنه محال في حق ذلك القدير المطلق والعليم بكل شيء الجهلُ والعجزُ قطعاً. فخُلف الوعد إذن محال.

ثم إنَّ جميع الأنبياء عليهم السلام وفي مقدمتهم فخرُ العالم ﷺ وجميع الأولياء وجميع الأصفياء وجميع المؤمنين يسألون دوماً ذلك الرحيم الكريم ما وعده من سعادة أبدية ويتضرعون إليه ويطلبونها منه.

فضلاً عن أنهم يسألونها مع جميع أسمائه الحسنى، لأن أسماءه وفي المقدمة رأفتُه ورحمتُه وعدالته وحكمته، واسمُ الرحمن والرحيم واسم العادل والحكيم وربوبيتُه المطلقة وسلطنته المهيبة واسم الرب واسم الله سبحانه وتعالى، وأمثالها من أكثر الأسماء الحسنى تقتضي الآخرة والسعادة الأبدية وتستلزمها وتشهد لتحققها وتدل عليها، بل إن جميع الموجودات بجميع حقائقها تشير إلى دار الآخرة (كما أثبت في الكلمة العاشرة).

ثم إن القرآن الحكيم بألوف آياته الجليلة وبيّنات براهينه الصادقة القاطعة تدل على تلك الحقيقة وتعلّمها.


Yükleniyor...