فهذه الكلمة تشع أملاً وتتألق بشرى تفوق كل تلك الآمال والبشارات اللذيذة، وتقول: أيها الإنسان! هل تعلم إلى أين أنت سائر؟ وإلى أين أنت تُساق؟

فقد ذكر في ختام «الكلمة الثانية والثلاثين»: أنَّ قضاء ألف سنة من حياة الدنيا وفي سعادة مرفّهة، لا يساوي ساعةً واحدة من حياة الجنة! وأن قضاء حياة ألف سنة وسنة بسرور كامل في نعيم الجنة لا يساوي ساعةً من فرحة رؤية جمال الجميل سبحانه. (3)

فأنت إذن أيها الإنسان راجعٌ إلى ميدان رحمته، صائرٌ إلى أعتاب ديوان حضرته. فما الحُسن والجمال الذي تراه في أحبتك المجازيين، فتشتاق إليهم وتُفتَن بهم، بل ما الحسن والجمال في جميع موجودات الدنيا، إلّا نوعُ ظلٍ من تجلي جماله سبحانه وحُسن أسمائه جلّ وعلا. فالجنةُ بلطائفها ولذائذها وحورها وقصورها ما هي إلّا تجلٍ من تجليات رحمته سبحانه. وجميعُ أنواع الشوق والمحبة والانجذاب والجواذب ما هي إلّا لمعةٌ من محبة ذلك المعبود الباقي وذلك المحبوب القيوم! فأنتم ذاهبون إذن إلى دائرة حظوَته ومقام حضرته الجليلة.. وأنتم مدعوون إذن إلى دار ضيافته الأبدية.. إلى الجنة الخالدة.

فلا تحزنوا ولا تبكوا عند دخولكم القبر، بل استبشروا خيراً واستقبلوه بابتسامة وفرح.

وتتابع هذه الكلمة وظيفتها في بث نور الأمل والبشرى وتقول:

أيها الإنسان! لا تتوهم أنك ماضٍ إلى الفناء، والعدم، والعبث، والظلمات، والنسيان، والتفسخ، والتحطم، والانهشام، والغرق في الكثرة والإنعدام. بل أنت ذاهب إلى البقاء لا إلى الفناء، وأنت مسوقٌ إلى الوجود الدائم لا إلى العدم، وأنت ماضٍ إلى عالم النور لا إلى الظلمات، وأنت سائر نحو مولاك ومالكك الحق، وأنت عائد إلى مقر سلطان الكون.. سلطان الوجود.. سترتاح وتنشرح في ميدان التوحيد دون الغرق في الكثرة أبداً، فأنت متوجهٌ إلى اللقاء والوصال دون البعاد والفراق!.


Yükleniyor...