فهناك دار جزاء خالدة، ومقامُ سعادة هانئة قد هيئ لك. فأمامُك جنة خالدة متلهفة لقدومك، مشتاقةٌ إليك. فثق بوعد خالقك ذي الجلال الذي تخرّ له ساجداً عابداً، وآمن به واطمئن إليه، فإنه محال أن يخلف وعداً قطعَه على نفسه، إذ لا تشوب قدرتَه شائبةٌ أو نقص، ولا يداخل أعمالَه عجزٌ أو ضعف، فكما خلق لك حديقتَك الصغيرة ويحييها، فهو قادر على أن يخلق لك الجنة الواسعة، بل قد خلقها فعلاً، ووعدك بها. ولأنه وعدَ فسيفي بوعده حتماً ويأخذك إلى تلك الجنة.

وما دمنا نرى أنه يحشر وينشر في كل عام على وجه البسيطة أكثر من ثلاثمائة ألف نوع من أنواع النباتات وأمم الحيوانات وبانتظام كامل وميزان دقيق، وفي سرعة فائقة وسهولة تامة.. فلابد أنَّ هذا القادر الجليل، قادر أيضاً على أنْ يضع وعده موضع التنفيذ.

وما دام القادر المطلق يوجِد في كل سنة آلاف النماذج للحشر والجنة وبمختلف الأنماط والأشكال.. وما دام أنه يبشّر بالجنة الموعودة، ويعِد بالسعادة الأبدية في جميع أوامره السماوية.. وما دامت جميعُ إجراءاته وشؤونه حقاً وحقيقة وصدقاً وصائبة.. وما دامت جميعُ آثاره تشهد على أن الكمالات قاطبة إنما هي دلالات على أنه منزّه عن كل نقص أو قصور.. وما دام نقضُ العهد وخلافُ الوعد والكذب والمماطلة هو من أقبح الصفات فضلاً عن أنه نقص وقصور.. فلا بد أنَّ ذلك القدير ذا الجلال، وذلك الحكيم ذا الكمال، وذلك الرحيم ذا الجمال سينفّذ وعدَه حتماً مقضياً، وسيفتح أبوابَ السعادة الأبدية، وسيدخلكم أيها المؤمنون الجنةَ.. موطنَ أبيكم آدم عليه السلام.

الكلمة الحادية عشرة: «وَإِلَيْهِ الْمَصيرُ»

أي أن الذين يُرسلون إلى دار الدنيا.. دار الامتحان والاختبار، للتجارة وإنجاز الوظائف، سيرجعون مرة أخرى إلى مرسِلهم الخالق ذي الجلال، بعد أن أدّوا وظائفَهم وأتمّوا تجارتهم وأنهَوا خدماتهم، وسيلاقون مولاهم الكريم الذي أرسلهم.. أي أنهم سيتشرفون بالمثول بين يدي ربّهم الرحيم، في مقعد صِدق عند مليكهم المقتدر، ليس بينهم وبينه حجاب. وقد خلُصوا من مخاض الأسباب وظلام الحجب والوسائط، وسيجد كلُّ واحد منهم ويعرف معرفةً خالصة كاملة خالقَه وربه وسيده ومليكه.


Yükleniyor...