على ذات الله وصفاته وأَسمائه الحسنى، أَيْ يُفهم معاني هذا الكتاب، كتاب الكون العظيم كي يعرِّف خالقه.

أَيْ أَنَّ القرآن الكريم يستخدم الموجودات لخالقها لا لأَنفسها. فضلاً عن أَنَّه يخاطب الجمهور.

وعلى هذا، فمادام القرآن يستخدم الموجودات دليلاً وبرهاناً، فمن شرط الدليل أَنْ يكون ظاهراً وأظهرَ من النتيجة أَمام نظر الجمهور.

ثم إنَّ القرآن مادام مرشداً فمن شأْن بلاغة الإرشاد مماشاة نظر العوام، ومراعاة حسّ العامةِ ومؤانسة فكر الجمهور، لئلا يتوحش نظرُهم بلا طائل ولا يتشوش فكرُهم بلا فائدة، ولا يتشرّد حسُّهم بلا مصلحة، فأَبلغُ الخطاب معهم والإرشاد أَنْ يكون ظاهراً بسيطاً سهلاً لا يعجزهم، وجيزاً لا يُملّهم، مجملاً فيما لا يلزم تفصيله لهم، ويضرب بالأَمثال لتقريب ما دقَّ من الأُمور إلى فهمهم.

فلأَنَّ القرآن مرشد لكل طبقات البشر تستلزم بلاغةُ الإرشاد أن لا يذكر ما يوقع الأَكثرية في المغلطة والمكابرة مع البديهيات في نظرهم الظاهري، وأَنْ لا يغيّر بلا لزوم ما هو متعارف محسوس عندهم، وأَنْ يهمل أوْ يجمل ما لا يلزم لهم في وظيفتهم الأصلية.

فمثلاً: يبحث عن الشمس لا للشمس، ولا عن ماهيتها، بل لِمن نوَّرها وجعلها سراجاً، وعن وظيفتها بصيرورتها محوراً لانتظام الصنعة ومركزاً لنظام الخلقة، وما الانتظام والنظام إلَّا مرايا معرفة الصانع الجليل. فيعرّفنا القرانُ بإراءة نظام النسج وانتظام المنسوجات كمالات فاطرها الحكيم وصانعها العليم، فيقول: ﹛﴿وَالشَّمْسُ تَجْر۪ي ﴾|﹜ ويفهِّم بها وينبه إلى تصرفات القدرة الإلهية العظيمة في اختلاف الليل والنهار وتناوب الصيف والشتاء. وفي لفت النظر إليها تنبيه السامع إلى عظمة قدرة الصانع وانفراده في ربوبيته. فمهما كانت حقيقة جريان الشمس وبأي صورة كانت لا تؤثر تلك الحقيقة في مقصد القرآن في إراءة الانتظام المشهود والمنسوج معاً.

ويقول أيضاً: ﹛﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾|﹜ (نوح: ١٦) ففي تعبير السراج تصوير العالم بصورة قصر، وتصوير الأَشياء الموجودة فيه في صورة لوازم ذلك القصر، ومزيّناته،


Yükleniyor...