وتعالى من خزائن الغيب بأن أشبع من صاع من طعام ألفَ رجلٍ كما يخلقُ سبحانه من نواةٍ واحدة ألفَ رطل من التمر. كذلك أروى زهاء ألفٍ من المجاهدين في سبيل الله، حينما أصابهم العطشُ، أرواهم بماء مبارك كالكوثر، إذ أجراه سبحانه من أصابع قائدهم الأعظم صلوات الله وسلامه عليه. لذلك لم تصل درجةُ معجزة الطعام والماء إلى درجة حنين الجذع. إلّا أن جنس تَينِك المعجزتين ونوعهما بحسب الكلية متواترٌ كتواتر حنين الجذع.

ثم إن كل فرد قد لا يرى بركةَ الطعام وفورانَ الماء من الأصابع بالذات بل يرى أثرَه، ولكن كلُّ من كان في المسجد النبوي قد سمعَ بكاءَ الجذع، لذا ذاع أكثر..

فإن قيل: إن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين اهتموا اهتماماً بالغاً بملاحظة جميع أحواله ﷺ وحركاته ونقلوها بأمانةٍ واعتناء، فلِمَ رُويت أمثالُ هذه المعجزة العظيمة بعشرين طريقاً فقط ولم تروَ -في الأقل- بمائة طريق؟ ولِمَ تأتي أكثر الروايات عن أنس وجابر وأبي هريرة، ولم يأتِ عن طريق أبي بكر وعمر إلّا القليل منها.

الجواب: الشق الأول من السؤال مضى جوابُه في «الأساس الثالث من الإشارة الرابعة».

أما جواب الشق الثاني فهو أن الإنسان إذا احتاج إلى الدواء يراجع الطبيبَ، وإذا احتاج إلى بناء يراجع المهندس، وإذا احتاج إلى تعلّم الشريعة يأتي المفتي ويستفتيه.. وهكذا فقد كانت مهمةُ بعض علماء الصحابة منحصرةً في حمل الحديث ونشره ونقله إلى العصور الأخرى. فكانوا يسعَون بكل ما آتاهم الله من قوة في هذه الغاية. فأبو هريرة رضي الله عنه كرّس جميعَ حياته لحفظ الحديث النبوي، في الوقت الذي كان عمر رضي الله عنه منهمكاً في حمل أعباء الخلافة وسياسة الدولة. لذا اعتمد على هؤلاء الصحابة: أبي هريرة وأنس وجابر وأمثالهم في نقل الحديث الشريف إلى الأمة، فندَرت الروايةُ عنه. ثم إن الراوي الصادق المصدَّق من قِبل الجميع يُكتفى بروايته ولا داعيَ إلى رواية غيره، ولذلك يُنقل بعضُ الحوادث المهمة بطريقين أو ثلاث.


Yükleniyor...