يأتون من بعدهم في العصور الأخرى. فتلقاه العصرُ الذي بعدهم بجدّ وأمانة ونقلوه بدورهم إلى علماء العصر التالي، وهكذا تعاقبت عليه ألوفُ العلماء الأجِلاء في كل عصر وكل طبقة، حتى وصل إلى يومنا هذا، فضلاً عن أن كتباً للأحاديث قد دُوّنت في عصر النبوّة وسُلّمت من يد إلى يد حتى وصلتْ إلى أيدي أئمة الحديث من أمثال البخاري ومسلم فَوعَوها وعياً كاملاً، وميّزوا هذه الروايات حسب مراتبها، وقاموا بجمع كلِّ ما هو صحيح خالٍ من شائبة الشبهة في صحاحهم، فأرشدونا إلى الصواب.. جزاهم الله خيراً.

مثال: إن فوران الماء من أصابع الرسول ﷺ، وسقْيَه كثيراً من الناس، حادثٌ متواترٌ. نقلته جماعةٌ غفيرة لا يمكن تواطؤهم على الكذب بل محالٌ كذبُهم. فهذه المعجزة إذن ثابتة قطعاً، فضلاً عن أنها قد تكررت ثلاث مرات أمام ثلاث جماعات عظيمة.

فقد روت الحادثة برواية صحيحة جماعةٌ من مشاهير الصحابة، وفي مقدمتهم أنس «خادم الرسول ﷺ» وجابر وابن مسعود ونقلها إلينا -بسلسلة من الطرق- أئمةُ الحديث أمثال البخاري ومسلم والإمام مالك وابن شُعيب وقتادة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وسنذكر تسعةَ أمثلة فحسب من المعجزات المتعلقة بالماء.

المثال الأول: ثبت في صحيحَي البخاري ومسلم وغيرِهما: عن أنس بن مالك قال «رأيت رسول الله ﷺ وحانت صلاةُ العصر فالتمس الناسُ الوضوءَ فلم يجدوه». «قال: أُتي النبيُّ ﷺ بإناء وهو بالزوراء، (129) فوضع يدَه في الإناء، فجعل الماءُ ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القومُ. قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة». (130)

فأنت ترى أن أنساً رضي الله عنه يخبر عن هذه الحادثة بوصفه ممثلاً عن ثلاثمائة رجل. فهل يمكن ألّا يشترك أولئك الثلاثمائة في هذا الخبر معنىً وهل يمكن ألّا يكذبوه -حاشاه- إن لم تكن هذه الحادثة قد حدثت فعلاً؟.

المثال الثاني: ثبت في الصحاح وفي مقدمتها البخاري ومسلم: «عن سالم بن أبى الجعد عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: عطش الناسُ يوم الحديبية والنبي ﷺ بين


Yükleniyor...