العبادلة السبعة وبخاصة ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص. وهكذا حُفظت الأحاديثُ في عهد الصحابة الكرام حتى جاء كبارُ التابعين بعد ثلاثين أو أربعين سنة فتسلّموها غضةً طريةً منهم وحفظوها بكل أمانةٍ وإخلاص، فكتبوها ونقلها عنهم بعد ذلك الأئمةُ المجتهدون وألوفُ المحققين والمحدّثين وحفظوها بالكتابة والتدوين، ثم تسلَّمها -بعد مضي مائتي سنة من الهجرة- أصحابُ الكتب الستة الصحيحة المعروفة وفي مقدمتهم البخاري ومسلم، ثم جاء دورُ النقّاد وأهل الجرح والتعديل، وبرز منهم متشددون -أمثال ابن الجوزي- فميّزوا الأحاديثَ الموضوعة التي دسّها بعضُ الملاحدة وجهلةِ الناس على الأحاديث الصحيحة. ثم أعقبهم علماءٌ أفاضل ذوو تقوى وورع أمثال جلال الدين السيوطي وهو العلّامة الإمام الذي تشرّف بمحاورة الرسول ﷺ فتمثّل له في اليقظة سبعين مرة -كما يصدّقه أهلُ الكشف من الأولياء الصالحين- فميّزوا جواهر الأحاديث الصحيحة من سائر الكلام والموضوعات.

وهكذا ترى أن الأحاديث -والمعجزات التي سنبحث عنها- قد انتقلت إلينا سليمةً صحيحة بعد أن تسلّمها مالا يُعد ولا يُحصى من الأيدي الأمينة «فالحمد لله، هذا من فضل ربي».

وعليه فلا ينبغي أن يخطرَ بالبال: كيف نعرف أن هذه الحوادث التي حدثتْ منذ مدة سحيقة قد ظلتْ مصونةً سالمة من يد العبث؟

أمثلة حول معجزات بركة الطعام:

المثال الأول: اتفقت الصحاح الستة، وفي مقدمتها البخاري ومسلم في حديث أنس رضي الله عنه «قال: كان النبي ﷺ عروساً بزينب، فعَمِدَتْ أمي أمُّ سُلَيم إلى تمر وسمن وأقط، فصنعتْ حيساً فجعلته في تَور (105) فقالت: يا أنس! اذهب بهذا إلى رسول الله ﷺ فقل بعثتْ بهذا إليكَ أمي، وهي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منّا قليلٌ يا رسول الله! فذهبتُ فقلت، فقال: «ضعْهُ» ثم قال: «اذهب فادعُ لي فلاناً» وفلانا وفلاناً رجالاً سمّاهم «وادعُ مَن لقيتَ» فدعوتُ مَن سمّى ومَن لقيتُ فرجعتُ فإذا البيت غاصٌّ بأهله. قيل لأنس: عددُكم كم كان؟


Yükleniyor...