إذ كما لا يحق لصاحب الرؤيا التعبير عن رؤياه بنفسه، فذلك القسمُ من أهل الشهود والكشف ليس لهم الحق أنْ يعبّروا عن مشاهداتهم في تلك الحالة، حالة الشهود. فالذي يحق له التعبير عن تلك المشاهدات إنما هم ورثةُ الأنبياء من العلماء المحققين المعروفين بالأصفياء. ولا ريب أنَّ أهلَ الشهود هؤلاء عندما يرقَون إلى مقام الأصفياء سيدركون أخطاءهم بأنفسهم بإرشاد الكتاب والسنة ويصححونها. وقد صححها فعلاً قسمٌ منهم.

فاستمع إلى هذه الحكاية التمثيلية لتوضيح هذه الحقيقة، وهي:

اصطحبَ راعيانِ من أهل القلب والصَّلاح فحلبا من غنمهما اللبنَ ووضعاه في إناء خشبي ووضعا الناي القصبي فوق حافتي الصحن. ثم شعر أحدهما بالنعاس، وما فتئ أن غلبَه النومُ، فنام واستغرق في نومه.

أما الثاني فقد ظل مستيقظاً يرقب صاحبَه، وإذا به يرى وكأن شيئاً صغيراً -كالذبابة- يخرج من أنف صاحبه النائم، ثم يمرُق سريعاً ويقف على حافة الإناء ناظراً في اللبن ثم يدخل من فوهة الناي من أحد طرفيه ويخرج من فوهة الطرف الآخر، ثم يمضي ويدخل في ثقب صغير تحت شجرة القتاد الشوكية كانت بالقرب من المكان.

ثم يعود ذلك الشيء بعد مدة ويمضي في الناي أيضاً ويخرج من الطرف الآخر منه، ثم يأتي إلى ذلك النائم ويدخل في أنفه.. وهنا يستيقظ النائم من نومه، ويصحو قائلاً لصديقه:

- لقد رأيت يا صديقي في غفوتي هذه رؤيا عجيبة!

- اللهم أرنا خيراً وأسمِعنا خيراً.. قل يا صديقي ماذا رأيت؟

- رأيت وأنا نائم، بحراً من لبن، وقد مُدَّ عليه جسرٌ عجيب، وكان الجسر مسقفاً، ولسقفه نوافذ، مررتُ من ذلك الجسر، ورأيت في نهاية الطرف الثاني غابة كثيفة ذات أشجار مدببة. وبينما أنا انظر إليها متعجباً رأيت كهفاً تحت الأشجار فسرعان ما دخلت فيه، ورأيت كنزاً عظيماً من ذهب خالص.

فقل لي يا صديقي، ما ترى في رؤياي هذه، وكيف تعبّرها لي؟ أجابه صديقُه الصاحي:


Yükleniyor...