ولكوننا قد تناولنا شيئاً من أسس هذا المشرب وماهيته في رسالة «نقطة من نور معرفة الله جل جلالُه» وفي «الكلمات» و «المكتوبات» فإننا نكتفي بذلك، ونقصر الكلام هنا على بيان ورطة خطرة قد يقع فيها قسمٌ من الحائمين حول «وحدة الوجود» وهي:

إنَّ هذا المشرب يصلح لأخص الخواص عند حالات الاستغراق المطلق، وللمتجردين من الأسباب المادية، ومن الذين قد قطعوا علائقهم بما سوى الله من الممكنات والأشياء.

ولكن إذا نزل هذا المشرب من علياء الأذواق والمواجيد، والأشواق القلبية إلى دائرة المذاهب الفكرية والعلمية وعُرض بشكله العلمي والعقلاني على أنظار الذين استَهوتهم الحياةُ الدنيا، وغرقوا في الفلسفات المادية والطبيعية، فإنه سيكون إغراقاً في الطبيعة والمادة، وإبعاداً عن حقيقة الإسلام.

فالشخص المادي المتعلق بالأسباب، والمُغرم بالدنيا، يتشوق إلى إضفاء صفة الخلود على هذه الدنيا الفانية، لأنه يعزّ عليه أن يرى محبوبته وهي تتبخر بين يديه وتذوب، فيُسبغ صفةَ البقاء والوجود الدائم على دنياه، انطلاقاً من فكرة «وحدة الوجود» فلا يتورع -عندئذٍ- من رفع محبوبته -الدنيا- إلى درجة المعبود بعد أنْ أَسبغَ عليها صفاتِ الدوام والخلود والبقاء الأبدي، فينفتح المجال أمامَه إلى إنكار الله سبحانه والعياذ بالله.

ولما كان الفكر المادي قد ترسّخت دعائمُه في هذا العصر، واستولى على غالبية النشاطات العقلية والعلمية، حتى غدت المادة -عند أصحابه- هي أَصلُ كل شيء ومرجعه، لذا فإن ترويج مذهب «وحدة الوجود» في هذا العصر -الذي يرى فيه أهلُ الإيمان الخواص الماديات تافهةً إلى حد العدم- ربما يعطي للماديين حُجةً ليكونوا دعاةً للمذهب نفسه فيخاطبوا أصحابه من أهل الإيمان: «نحن وأنتم سواء، نحن أيضاً نقول هكذا ونفكر هكذا» علماً أنه لا يوجد مشربٌ في العالم بعيدٌ عن منهج المادييين وعبدة الطبيعة من مشرب «وحدة الوجود». ذلك لأن أصحابَه يؤمنون بالله إيماناً عميقاً إلى درجة يعدّون الكون وجميعَ الموجودات معدوماً بجانب حقيقة الوجود الإلهي، بينما الماديون يولون الموجودات من الأهمية إلى حدّ أنهم ينكرون معها وجودَ الله سبحانه وتعالى... فأين هؤلاء من أولئك؟!

Yükleniyor...