الناحية، فالتبسَ عليك الأمر وانخدعت، إذ إنَّ ما شاهدتَه صوابٌ وصدق، إلّا أن حُكمَك هو الخطأ، حيث إن غرفة من الماء بالنسبة للذبابة بحرٌ واسع.

فانتبه ذلك الأخ بكلامي، ونجا من تلك الورطة بمشيئة الله.

ورأيت كذلك عدداً من الناس يعدّون أنفسَهم مقاربين أو مشابهين «للمهدي»، ويقول كل منهم: سأصبح «المهدي»!

هؤلاء ليسوا كاذبين ولا مخادعين، ولكنهم ينخدعون، إذ يظنون ما يرونَه هو الحق، ولكن كما أن الأسماء الحسنى لها تجلياتُها ابتداءً من العرش الأعظم وحتى الذرة، فإن مظاهر هذه التجليات في الأكوان والنفوس تتفاوت بالنسبة نفسها، وإن مراتب الولاية التي هي نيل مظاهرها والتشرف بها هي الأخرى متفاوتة.

وأهم سبب لهذا الالتباس هو كونُ بعض مقامات الأولياء فيه شيءٌ من خواص «المهدي» ووظائفه، ويشاهَد فيه انتساب خاصٌ مع القطب الأعظم وعلاقةٌ خاصة ب «الخضر»، فهناك مقامات لها علاقات وروابط مع بعض المشاهير، حتى يُطلق على تلك المقامات «مقام الخضر» و «مقام أويس» و «مقام المهدية». وعليه فالواصلون إلى ذلك المقام، وإلى جزء منه، أو إلى ظل من ظلاله، يتصورون أنفسهم أنهم هم أولئك الأفذاذ المشهورون، فيعتبر الواحد منهم أنه هو الخضر أو المهدي، أو يتخيل أنه القطب الأعظم.

فإن كانت الأنانيةُ فيه قد مُحقت حتى لم يعُد لها استشرافٌ وتطلّعٌ لحب الجاه والتفاخر على الآخرين فلا يُدان، ونعتبر دعاواه الخارجة عن حده «شطحات» قد لا يكون مسؤولاً عنها، ويمكن التجاوز عنها.

أما هذه الدعاوى عند الشخص الذي ما زالت الأنانية فيه متوفزة، متطلعة لحب الجاه، فستغلبه هذه الأنانيةُ وتأخذ بيده إلى منازل الفخر مخلفاً وراءه مقام الشكر، ومن هناك يتردى تدريجياً إلى هاوية الغرور الماحق للحسنات. فإما أن يتردى إلى الجنون، أو يضل ضلالاً بعيداً، وذلك لأنه جعل نفسَه في عداد أولئك الأولياء العظام، وهذا بحدّ ذاته سوءُ ظن بهم، لأنه يخلع ما في نفسه من قصور، تدركه النفسُ مهما اغترت على أولئك الأولياء الأفذاذ الذين يراهم بمنظار نفسه القاصرة، فيتوهم أن أولئك العظام مقصّرون مثلَه، فيقلّ احترامُه لهم، وبالتالي قد يقل احترامُه حتى للأنبياء عليهم السلام.


Yükleniyor...