إنها إشارة إلى سيادة الإنسان على سائر الأنواع وتصرّفه فيها، إذ إنَّ ملابسَه منسوجةٌ من نماذج تلك الأنواع. وإلّا فما أهون عليه سبحانه أن يُلبِس الإنسان لباساً فطرياً بسيطاً. إذ لولا هذه الحكمة لكان الإنسان موضع استهزاء الحيوانات ذات المشاعر، حيث يغطي نفسَه، ويلف جسمَه بقطع متنوعة وخرق مختلفة.

أما في ميدان الحشر فلا داعيَ إلى هذه الحكمة ولا مبرر لتلك العلاقة بين الإنسان وسائر الأنواع، لذا لا حاجة إلى تلك الملابس التي تمثل نماذج تلك الأنواع.

خامساً: أما الدليل على الطريق، فهو القرآن لأمثالك ممن انضووا تحت نور القرآن ولوائه. فانظر إلى المقطّعات الموجودة في أوائل السور ك ﹛﴿ الٓم ﴾|﹜ و ﹛﴿ الٓرٰ ﴾|﹜ و ﹛﴿ حٰمٓ ﴾|﹜ واعلم منها وشاهِد: ما أعظمَ القرآن من كتاب، وما أرجاه من شفيع، وما أصدقَه من دليل، وما أقدسه من نور!

سادساً: أما ثيابُ أهل الجنة وجهنم فقد وضّحته «الكلمة الثامنة والعشرون». والدستور الذي ذكر فيما يخص سبعين حُلّة للحور العين جارٍ هنا أيضاً، وذلك أن إنساناً من أهل الجنة لا شك يرغب في أن يتنعّم بكل نوع من أنواع لذائذ الجنة، وفي كل وقت وآن. ومعلوم أن في الجنة نعيماً ولذائذ في منتهى الاختلاف والأنواع، فهو يعاشر جميع تلك الأنواع من النعم، وفي كل وقت، لذلك يلبس ويُلبس حورَه نماذج حسن الجنة ونعيمها بمقياس مصغر، فيكون هو وحُوره العين بمثابة جنة مصغرة.

إذ كما يجمع الإنسان في حديقة بيته الأزاهير المنتشرة في تلك البلدة، أو كما يجمع صاحب حانوت ما لديه من أنواع البضائع في لائحة وقائمة. وكما يقتني الإنسان ملابسه وأثاث بيته من أنواع المخلوقات التي يتصرف فيها، وله علاقة معها، وكذلك الذي هو من أهل الجنة، ولاسيما الذي عَبَد الله بجميع مشاعره وحواسه سيلبسه الله سبحانه برحمته، ويُلبس حورَه العين حُللاً، تُظهر كل نوع من أنواع جمال الجنة ونعيمها وأذواقها بما يُشبع كل رغبة من رغباته، ويُرضى كل حاسة من حواسه، ويُمتّع كل جهاز من أجهزته، ويُسهّل له تذوق كل لطيفة من لطائفه.


Yükleniyor...