قرآن كبير مجسّم يُظهِر أيضاً أن أهمّ نتيجة لخلق الكائنات هي الشكر؛ ذلك لأنه إذا ما أُنعِم النظر في الكائنات لتبيّن:

أنَّ هيأة الكون ومحتوياته قد صُمّمت بشكل ووُضعت على نمط، بحيث تُنتج الشكرَ وتُفضي إليه، فكل شيء متطلّع ومتوجّه -من جهة- إلى الشكر، حتى كأنَّ أهمَّ ثمرة في شجرة الخلق هذه هي الشكر، بل كأن أرقى سلعة من بين السلع التي ينتجها مصنعُ الكون هذا هي الشكر؛ ذلك لأننا نرى:

أن موجودات العالم قد صُممت بطراز يشبه دائرةً عظيمة، وخُلقت الحياة لتمثّل نقطة المركز فيها، فنرى: أنَّ جميعَ الموجودات تخدم الحياة وترعاها وتتوجه إليها، وتتكفل بتوفير لوازمها ومؤنها. فخالق الكون إذن يختار الحياةَ ويصطفيها من بين موجوداته!

ثم نرى أنَّ موجودات عوالم ذوى الحياة هي الأخرى قد أوجدت على شكل دائرةٍ واسعة بحيث يتبوّأ الإنسانُ فيها مركزَها؛ فالغاياتُ المرجّوة من الأحياء عادة تتمركز في هذا الإنسان. والخالق الكريم سبحانه يحشّد جميعَ الأحياء حول الإنسان ويسخّر الجميع لأجله وفي خدمته، جاعلاً من هذا الإنسان سيداً عليها وحاكماً لها. فالخالقُ العظيم إذن يصطفي الإنسانَ من بين الأحياء بل يجعله موضعَ إرادته ونصبَ اختياره.

ثم نرى أن عالم الإنسان بل عالم الحيوان أيضاً يتشكل بما يشبه دائرة كذلك، وقد وُضع في مركزها «الرزق»، وغُرز الشوقُ إلى الرزق في الإنسان والحيوانات كافة، فنرى أنهم قد أصبحوا جميعاً بهذا الشوق خَدَمة الرزق والمسخَّرين له. فالرزقُ يحكمهم ويستولي عليهم. ونرى الرزقَ نفسَه قد جُعل خزينةً عظيمة لها من السعة والغنى ما لو تجمعت نِعَمَه فلا تعد ولا تحصى (حتى نرى القوة الذائقة في اللسان قد زوّدت بأجهزة دقيقةٍ وموازينَ معنوية حساسة بعدد المأكولات والمطعومات لمعرفة أذواق نوع واحد من أنواع الرزق الكثيرة). فحقيقةُ الرزق إذن هي أعجبُ حقيقة في الكائنات وأغناها، وأغربها، وأحلاها وأجمعُها.

ونرى كذلك: أنه مثلما يحيط كلُّ شيء بالرزق ويستشرفه ويتطلع إليه، فالرزقُ نفسه أيضاً -بأنواعه جميعاً- قائمٌ بالشكر معنىً ومادةً وحالاً ومقالاً، ويحصل بالشكر، ويُنتج الشكرَ، ويبيّن الشكرَ ويُريه؛ لأنَّ اشتهاء الرزق والاشتياق إليه نوعٌ من شكر فطري. أما

Yükleniyor...