ثالثاً: إنَّ قياس الإسلام بالنصرانية، قياسٌ مع الفارق، وهو قياس خطأ محض. لأن أوروبا عندما كانت متمسكةً بل متعصبة لدينها، لم تكن متحضرة، وعندما تركت التعصب والالتزام بدينها تحضّرت.

ولقد أثار التعصب الديني لدى أوروبا نزاعات داخلية دامت ثلاثمائة سنة، وكان الحكام المستبدون يتخذون الدين وسيلةً في سحق العوام وفقراء الناس و أهل الفكر والعلم منهم، حتى تولد لدى عامة الناس نوع من السخط على الدين.

أما في الإسلام -والتاريخ شاهد- فلم يُصبح الدين سبباً للنزاع الداخلي إلّا مرة واحدة فقط، وقد ترقى المسلمون -بالنسبة لذلك الوقت- رقياً عظيماً ما ملكوا الدين واعتصموا به. والشاهد على هذا؛ الدولةُ الإسلامية في الأندلس التي غدت أستاذة عظيمة لأوروبا. ولكن متى ما أهمل المسلمون دينهم تخلّفوا وتردّوا.

ثم إن الإسلام حامي الفقراء والعوام من الناس، وذلك بوجوب الزكاة وحرمة الربا، وأمثالهما من ألوف المسائل التي ترأف بحال العوام.

ثم إن الإسلام يحمي أهل العلم، ويستشهد بالعقل والعلم ويوقظهما في النفوس بمثل هذه الآيات الكريمة: ﹛﴿.. اَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ﴾ ﴿.. اَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ ﴿.. اَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾|﹜.

لذا كان الإسلام دوماً قلعةَ الفقراء وحصن العلماء وملجأهم. فلا داعي في الإسلام قطعاً لمثل هذه المجافاة.

وسرّ الحكمة والفرق الأساس بين الإسلام وسائر الأديان، ومنها النصرانية هو الآتي:

إنَّ أساس الإسلام هو التوحيد الخالص، فلا يسند التأثير الحقيقي إلى الأسباب أو الوسائط ولا قيمة لها في الإسلام من حيث الإيجاد والخلق.

أما في النصرانية، فإن فكرة البنوة التي ارتضوها، تعطي أهمية للوسائط وقيمة للأسباب، فلا تكسر الغرور والتكبر بل يسند قسطاً من الربوبية الإلهية إلى الأحبار والرهبان، حتى صدق عليهم قوله تعالى: ﹛﴿ اِتَّخَذُٓوا اَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ اَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّٰهِ ﴾|﹜ (التوبة: ٣١).


Yükleniyor...