فإن قلت: ما حاجة الرسول الكريم ﷺ وهو حبيب رب العالمين إلى هذه الكثرة من الدعاء والصلوات عليه؟

الجواب: إنه ﷺ ذو علاقة قوية مع سعادة أمته قاطبة، فله حصتُه مما ينالُه كل فرد من أفراد أمته من أنواع السعادة، وهو يحزن أيضاً ويتألم لكل مصيبة تُصيبهم.

فعلى الرغم من أن مراتب الكمال والسعادة بحقّه لا حدَّ لها، فإن الذي يرغب رغبة شديدة في أن ينال أفرادُ أمته الذين لا يحدّون أنواعاً لا تُحد من السعادة وفي أزمان لا تُحد، ويتألم بأنواع لا حد لها من شقائهم ومصائبهم، لابد أنه محتاج وحريٌّ به صلواتٌ لا حد لها وأدعية لا حد لها ورحمة لا حد لها.

فإن قلت: يُدعى أحياناً بدعاء خالص لأمور تقع قطعاً، كالدعاء في صلاة الكسوف والخسوف، وقد يدعى أحياناً لأمور لا يمكن وقوعها..

الجواب: لقد أوضحنا في «كلمات أخرى»: أنَّ الدعاء نوعٌ من العبادة، حيث يعلن الإنسان عجزَه وفقره بالدعاء. أما المقاصد الظاهرية فهي أوقاتُ تلك الأدعية والعبادة الدعائية، وهي ليست نتائج الأدعية وفوائدها الحقيقية، لأن فائدة العبادة وثمرتَها متوجهةٌ إلى الآخرة، أي يجنيها الداعي في الآخرة، لذا لو لم تحصل المقاصدُ الدنيوية التي يتضمنها الدعاء فلا يجوز القول: إن الدعاء لم يُستجب، وإنما يصح القول: إنه لم ينقضِ بعدُ وقتُ الدعاء.

فهل يمكن يا ترى ألاّ يُستجاب دعاء للسعادة الخالدة، يسألها جميعُ أهل الإيمان في جميع الأزمنة، يسألونه بإلحاح وخلوص نية وباستمرار. فهل يمكن ألّا يَقبل الرحيمُ المطلق والكريم المطلق -التي تشهد الكائناتُ بسِعَة رحمته وشمول كرمه- هذا الدعاء، وهل يمكن ألّا تتحقق تلك السعادة الأبدية!؟ كلا ثم كلا..


Yükleniyor...