لأنك تراه مغلوباً على أمره أمام نفسه وشيطانه. فتنتظر منه بعد ذلك الندمَ على فعلته وتأمَلْ عودته إلى صوابه.

ثالثاً: عليك أن تلاحظ في هذا الأمر تقصيرات نفسك، تلك التي لا تراها أو لا ترغب أن تراها.

فاعزِل هذه الحصة أيضاً مع الحصتين السابقتين، تَرَ الباقي حصةً ضئيلة جزئية، فإذا استقبلتَها بهمّة عالية وشهامة رفيعة أي بالعفو والصفح، تنجو من ارتكاب ظلم وتتخلص من إيذاء أحد. بينما إذا قابلت إساءته بحرص شديد على توافه الدنيا -كأنك تخلد فيها- وبحقد مستديم وعداء لا يفتر، فلا جرم أن تنطبق عليك صفة ﹛﴿ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾|﹜ وتكون أشبه بذلك اليهودي الأحمق الذي صرف أموالاً طائلة لقطعٍ زجاجية لا تساوي شيئاً وبلورات ثلجية لا تلبث أن تزول، ظناً منه أنها الألماس.

وهكذا فقد بسطنا أمامك ما يسببه العداءُ من أضرار لحياة الإنسان الشخصية.

فإن كنت حقاً تحب نفسك فلا تفسح له مجالاً ليدخل قلبَك، وإن كان قد دخل فعلاً واستقر فلا تصغ إليه، بل استمع إلى حافظ الشيرازي(*) ذي البصيرة النافذة إلى الحقيقة. إنه يقول:

دُنْيَا نَه مَتَاعِيسْتِى كِه اَرْزَدْ بَنِزَاعِى


أي «إن الدنيا كلها لا تساوي متاعاً يستحق النزاع عليه».

فلئن كانت الدنيا العظيمة وبما فيها تافهة هكذا، فما بالك بجزء صغير منها. واستمع إليه أيضاً حيث يقول:

آسَايِشِ دُوگِيتِى تَفْسِيرِ اِينْ دُو حَرْفَسْتْ با دُوسِتَانْ مُرُوَّتْ با دُشْمَنَانْ مُدَارَا


أي «نيل الراحة والسلامة في كلا العالَمين توضّحه كلمتان: معاشرةُ الأصدقاء بالمروءة والإنصاف. ومعاملةُ الأعداء بالصفح والصفاء».

إذا قلت: إنَّ الأمر ليس في طوقي، فالعداءُ مغروز في كياني، مغمور في فطرتي، فليس لي خيار، فضلاً عن أنهم قد جرحوا مشاعري وآذوني، فلا أستطيع التجاوز عنهم.


Yükleniyor...