وكذا جميع العنايات والتزيينات تشير إلى ذلك العلم. لأن الذي يخلق مصنوعاته بمكيال وميزان وتقدير وإتقان، لاشك أنه يعمل ما يشاء مستنداً إلى علم قوي.

وكذا جميع المقادير المنتظمة المشاهَدة في الموجودات كلها، والأشكال التي فُصِّلت على وفق الحِكَم والمصالح، والهيئات المنتجة، والأوضاع المثمرة التي نظّمت على وفق دساتير القضاء وضوابط القدر، إنما تدل على علم محيط.

نعم، تصوير الأشياء على اختلافها تصويراً منتظماً، وتشكيلُ كل شيء بشكل مخصوص به وملائم لوجوده ولمصالح حياته، إنما يكون بعلم محيط، لا غير.

وكذا إرسال الرزق لجميع ذوي الحياة -من حيث لا يحتسب- وفي الوقت المناسب، وبشكل ملائم لكل واحد منها، إنما يكون بعلم محيط؛ لأن الذي يرزق لا ريب أنه يعلم حال من يحتاج إلى الرزق ويعرفه ويعلم بوقت رزقه ويدرك حاجاته، ثم يرزقه على أفضل صورة.

وكذا وفاة جميع ذوي الحياة بآجالها المعقودة بقانون من التعيّن -مع تستّرها بعنوان الإبهام- تدل على علم محيط بكل شيء، لأن أجَلَ كل طائفة من طوائف ذوي الحياة معيّنٌ في زمن محدود بين حدّين، وإن كان لا يشاهد ظاهراً وقتٌ معين لحلول آجال أفرادها. لذا فالحفاظ على نتاج ذلك الشيء وثمرته ونواته بعد حلول أجلِه يديم وظيفتَه عقبه، ويحوّل تلك الثمرات والنوى إلى حياة جديدة، إنما يدل على ذلك العلم المحيط أيضاً.

وكذا ألطاف الرحمة السابغة على الموجودات كلها، كلٌّ بما يليق به، إنما تدل على علم محيط ضمن رحمة واسعة، لأن الذي يربّي أطفال ذوي الحياة وصغارها باللبن ويغيث النباتات الأرضية المحتاجة إلى الماء بالغيث، لابد أنه يعرف أولئك الصغار ويعلم بحاجاتهم ويرى تلك النباتات ويدرك ضرورة المطر لها، ومن بعد ذلك يرسله إليها.

وهكذا تدل جلواتٌ لا تحد لرحمته الواسعة سبحانه والمكللة بالعناية والحكمة، على علم محيط.

وكذا ما في إتقان الصنعة للأشياء كلِّها من اهتمام بالغ وتصوير بديع وتزيين فائق يدل على علم محيط. لأن انتقاء وضعٍ منتظم حكيم مزيّن بديع من بين ألوف الأوضاع المختلفة المحتملة إنما يكون بعلم نافذ، فهذا النوع من الانتقاء في الأشياء كلها يدل على علم محيط.


Yükleniyor...