الفقرة الثانية: «إبداعه لذاك... إلخ».

إنَّ الصانع الحكيم قد خلق العالم الأكبر خلقاً بديعاً ونقش آيات كبريائه عليه، بحيث جعل الكون على صورة مسجد كبير. وأنشأ سبحانه هذا الإنسان في أحسن تقويم، واهباً له العقل، بحيث جعله يسجد سجدةَ إعجاب أمام معجزات صنعته وبديع قدرته. واستقرأه آياتِ كبريائه، حتى صيّره عبداً ساجداً في ذلك المسجد الكبير بما غرز في فطرته من العبودية والخضوع له. فهل من الممكن أن يكون المعبود الحقيقي للساجدين العابدين في هذا المسجد الكبير غيرَ الصانع الواحد الأحد؟.

الفقرة الثالثة: «إنشاؤه لذاك... إلخ».

إنَّ مالك الملك ذا الجلال قد أنشأ العالم الأكبر، ولاسيما وجهَ الأرض، إنشاءً كأنها دوائرٌ متداخلة بما لا تعد ولا تحصى، كلُّ دائرة بمثابة مزرعة أو حقل يزرع فيها، كلَّ وقت وكل موسم وكل عصر، ويحصد ويحصّل على المحاصيل، وهكذا يُشغل مُلكَه باستمرار ويتصرف في أموره كل حين. حتى إنه جعل أعظم دائرة من تلك الدوائر وهي دائرة الذرات في الكون مزرعةً واسعة يزرع فيها ويحصل منها بقدرته وحكمته محاصيلَ بقدر الكون، ويرسل تلك المحاصيل من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، ومن دائرة القدرة إلى دائرة العلم.

وجعل سبحانه سطح الأرض الذي هو دائرة متوسطة بمثابة مزرعة كذلك، بحيث يزرع فيها كلَّ موسم وباستمرار عوالمَ وأنواعاً شتى ويحصدها ويحصّل منها محاصيلها كلَّ فصل وموسم محاصيل معنوية يبعثها أيضاً إلى عوالمه الغيبية والأخروية والمثالية والمعنوية..

ثم إنه سبحانه يملأ بستاناً في الأرض -وهو دائرة صغيرة- يملأه مرات ومرات بل ألف مرة بقدرته ويفرغه بحكمته.

ثم إنه سبحانه يحصل من الكائن الحي الذي هو دائرة أصغر -كالشجرة والإنسان- يحصل منه مائة ضعف وضعف من المحاصيل.

بمعنى أن ذلك المالك الملك ذا الجلال قد أنشأ كلَّ شيء -جزئيّه وكليّه، صغيرَه وكبيره- بمثابة «موديل» يُلبسه مئات منسوجات صنائعه المنقشة بنقوش متجددة بمئات الأشكال والأنماط. مُظهِراً به تجليات أسمائه الحسنى ومعجزات قدرته. وأنشأ كلَّ شيء في


Yükleniyor...