قيل لك: هو الذي لعظمته المعنوية صار سطحُ الأَرض مسجده، ومكةُ محرابه، والمدينة منبره.. وهو إمام جميع المؤمنين يأتمّون به صافّين خَلْفَه.. وخطيب جميع البشر يبيّن لهم دساتير سعاداتهم.. ورئيس جميع الأَنبياء يزكّيهم ويصدّقهم بجامعية دينه لأَساسات أَديانهم.. وسيد جميع الأَولياء يُرشدهم ويُربّيهم بشمس رسالته.. وقطبٌ في مركز دائرة حلقة ذكر تركّبَت من الأَنبياء و الأَخيار و الصديقين و الأَبرار المتَّفقين على كلمته الناطقين بها.. وشجرةٌ نورانية عروقُها الحيوية المتينة هي الأَنبياء بأَساساتهم السماوية، وأَغصانها الخَضِرة الطرية وثمراتها اللطيفة النيّرة هي الأَولياء بمعارفهم الإلهامية. فما من دعوى يدّعيها إلَّا ويشهدُ له جميعُ الأَنبياء مستندين بمعجزاتهم، وجميعُ الأَولياء مستندين بكراماتهم؛ فكأَنَّ على كل دعوىً من دعاويه خواتمُ جميع الكاملين، إذ بينما تراه قال: (لا إله إلّا الله) وادّعى التوحيد فإذا نسمع من الماضي والمستقبل من الصفّين النورانيين -أَيْ شموس البشر ونجومه القاعدين في دائرة الذكر- عينَ تلك الكلمة، فيكررونها ويتفقون عليها، مع اختلاف مسالكهم وتباين مشاربهم. فكأَنَّهم يقولون بالإجماع: «صَدَقت وبالحق نطقت». فأنّى لوهمٍ أَنْ يَمدَّ يده لردِّ دعوىً تأَيّدتْ بشهادات مَنْ لا يُحَد من الشاهدين الذين تزكّيهم معجزاتُهم وكراماتُهم.

الرشحة الثانية:

اعلم! إن هذا البُرهان النوراني الذي دلَّ على التوحيد وأَرشد البشر إليه، كما أَنَّه يتأَيد بقوة ما في جناحَيه نبوةً وولايةً من الإجماع والتواتر.. كذلك تصدّقُه مئاتُ إشارات الكتب السماوية من بشارات التوراة والإنجيل والزبور وُزُبرِ الأَولين.. (472) وكذلك تُصدِّقُه رموز ألوف الإرهاصات الكثيرة المشهودة، وكذا تُصدِّقُه دلالات معجزاته من أَمثال: شق القمر، ونبعان الماء من الأَصابع كالكوثر ومجيء الشجر بدعوته، ونزول المطر في آن دعائه، وشبع الكثير من طعامه القليل، وتكلّم الضب والذئب والظبي والجمل والحجر، إلى أَلفٍ من معجزاته كما بيّنها الرواة والمحدثون المحققون.. وكذا تُصدِّقه الشريعة الجامعة لسعادات الدارين.

واعلم! أنّه كما تُصدِّقه هذه الدلائل الآفاقية، كذلك هو كالشمس يدل على ذاته بذاته، فتصدقّه الدلائل الأَنفسية؛ إذ اجتماع أَعالي جميع الأَخلاق الحميدة في ذاته بالإتفاق.. وكذا


Yükleniyor...