أمر الله، وأمانة صادقة فيه، تبين في جميع أحواله وأطواره، أنه لا يتكلم باسمه الشخصي، ولا من بنات فكره الذاتي وإنما يتكلم باسم الله رب العالمين.

ثم إنَّ الذين استمعوا إليه من أهل الحقيقة قاطبة قد صدّقوا بالكشف والتحقيق العلمي، وآمنوا إيماناً يقينياً بأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحي يوحى، فهو مبلّغ أمين عن رب العالمين، يدعو الناس إلى الرشاد بالوحي الإلهي.

وهكذا فإنَّ صدق هذا الدليل ﷺ وأحقيتَه يستند إلى هذه الأسس الأربعة الثابتة الرصينة.

الأساس الخامس

إنَّ ذلك المبلغ الأمين لكلام الله الأزلي يرى الأرواح، ويتكلم مع الملائكة، ويُرشد الجن والإنس معاً. فلا يتلقى العلمَ من عوالم الملائكة والأرواح التي هي أسمى من عالم الإنس والجن بل يتلقى العلمَ من فوق تلك العوالم كلِّها، بل يطّلع على ما وراءها من شؤون إلهية، فالمعجزاتُ المذكورة سابقاً، وسيرتُه الشريفة التي نُقلت إلينا بالتواتر تثبتان هذه الحقيقة. لذا فلا يتدخل الجن ولا الأرواح ولا الملائكة فيما يبلّغه من أمور بل لا يتقرب إلى تبليغه حتى المقرَّبين من الملائكة سوى جبريل عليه السلام، بل يتقدم أحياناً حتى رفيقَه جبريل عليه السلام الذي كان يصحبه معظم الأوقات.

الأساس السادس

إنَّ ذلك الدليل الذي هو سيدُ المَلَك والجن والإنس إنما هو أنورُ ثمار شجرة الكائنات وأكملُها، وتمثالُ الرحمة الإلهية، ومثالُ المحبة الربانية، والبرهان النير للحق، والسراج الساطع للحقيقة، ومفتاح طلسم الكائنات، وكشاف لغز الخلق، وشارح حكمة العالم والداعي إلى سلطان الألوهية. والمرشد البارع لمحاسن الصنعة الربانية، فتلك الذات المباركة، بما تملك من صفات جامعة إنما تمثل أكمل نموذج لكمالات الموجودات. لذا فهذه المزايا التي يمتلكها ذلك النبي الكريم ﷺ وما يتصف به من شخصية معنوية تظهران بوضوح أنَّ ذلك النبي الكريم ﷺ هو علّةُ الكون الغائية، أي أنه موضعَ نظر خالق الكون. نظر إليه وخلق الكون، ويصحّ القول أنه لو لم يكن قد أوجدَه ما كان يوجِد الكونَ.


Yükleniyor...