ثانيتها: الرغبة في المعارضة والنقد التي تولّدت لدى الأعداء والخصماء، أي إتيان أسلوب مثلَه لدحض دعوى الإعجاز.

فهاتان الرغبتان الشديدتان سببتا ظهور ملايين الكتب العربية الماثلة أمامنا، ولكن لو قارنّا أبلغ هذه الكتب وأوضحَها قاطبة بالقرآن الكريم، أي لو قرأناهما معاً لقال كلُّ سامع وقارئ بلا تردد، إنّ القرآن لا يشبه أياً من هذه الأساليب، فهو إذن ليس بمستوى تلك الكتب، فإما أنه أدنى أسلوباً من الجميع، وهذا محال بلا أدنى ريب، ولم يتفوّه به أحد قط بل حتى الشيطان يعجز عن أن يتفوّه بهذا، (465) فثبت إذن أن أسلوب القرآن الكريم فوق الجميع وذلك بإعجازه الرائع.

بل إنَّ «العامي الجاهل» الذي لا يفهم شيئاً من معاني القرآن الكريم يشعر بإعجاز القرآن من عدم سأمه في التلاوة. فيحاور ذلك العامي الجاهل قائلاً: إنَّ الاستمرار على تلاوة هذا القرآن لا يولّد السأمَ قط، بل تزيد كثرةُ تلاوته حلاوتَه، بينما لو استمعت إلى قصائد جميلة رائعة لمرات عدة فإني أَشعر بالمَلل، لذا فالقرآن ليس بكلام بشر بلا شك.

ثم إنَّ «الأطفال» الذين يرغبون في حفظ القرآن الكريم، يُظهر لهم إعجازَه في قدرتهم على حفظه في عقولهم اللطيفة الصغيرة، على الرغم من وجود مواضعَ متشابهة تلتبس عليهم، فتراهم يحفظون القرآن الكريم بكل سهولة ويُسر بينما يعجزون عن حفظ صحيفة واحدة من غيره.

بل حتى «المرضى والمحتضرون» في سَكَرات الموت ممن يتألمون بأدنى كلام، تراهم يستمعون إلى القرآن الكريم وتنزل آياتُه على أسماعهم كأنه السلسبيل، وبهذا يشعرون بإعجازه.

نحصل مما سبق: إن القرآن الكريم لا يدَع أحداً محروماً من تذوق إعجازه، فلكلِّ طبقة من أربعين طبقة من الطبقات المتباينة للناس لهم حظُّهم من هذا الإعجاز أو يُشعِرهم القرآن بإعجازه، حتى إنه بيّن نوعاً من إعجازه لأولئك الذين ليس لهم نصيب من العلم ولا يملكون «سوى الرؤية» (466) من دون القدرة على الاستماع أو الفهم أو الإدراك القلبي. وذلك كالآتي:


Yükleniyor...