وكذا، فإن فيّ استيحاشاً من الناس، لا أستطيع قبولَ زيارة كل شخص في كل حين. فقبول هدايا الناس، يلزمني قبولي زيارتَهم في وقت لا أريدُها أخذاً بمراعاة شعورهم. وهذا ما لا أحبّذه.

إنني أفضّل أن آكل كسرةَ خبزٍ يابس، وأن أَلبَسَ ثوباً فيه مائة رقعة ورقعة ينقذني من التصنع والتملق، على أن آكل أَطيَبَ حلوى الآخرين، وأَلْبَسَ أَفْخَرَ ملابسهم وأَضطر إلى مراعاة مشاعرهم وهذا ما أكرهه.

السادس:

إنَّ السبب المهم للاستغناء عن الناس هو ما يقوله ابن حجر(∗) الموثوق حسب مذهبنا (الشافعي): «يُحرم قبولُ ما يوهَب لك بنية الصلاح، إن لم تكن صالحاً». (2)

نعم إن إنسان هذا العصر يبيع هديتَه البخسة بثمن باهظ، لحرصه وطمعه، فيتصور شخصاً مذنباً عاجزاً مثلي ولياً صالحاً، ثم يعطيني رغيفاً هديةً. فإذا اعتقدتُ أنني صالح -حاش لله- فهذا علامة الغرور، ودليل على عدم الصلاح. وإنْ لم أعتقد صلاحي، فقبول ذلك المال غير جائز لي.

وأيضاً إن أخذ الصدقة والهدية مقابلَ الأعمال المتوجهة للآخرة يعني قطفَ ثمراتٍ خالدةٍ للآخرة، بصورة فانية في الدنيا.

الباقي هو الباقي

§سعيد النورسي>


Yükleniyor...