ففي الأولى: أعني جملة ﹛﴿ يُخَادِعُونَ اللّٰهَ وَالَّذ۪ينَ اٰمَنُوا ﴾|﹜ هو أنَّ في التعبير عن عملهم بالخداع مع المُضارِعيّة، لاسيما من باب المشاركة، خصوصاً مع إقامة لفظة ﹛﴿ اللّٰهَ ﴾|﹜ مقام النبيّ وإقامة ﹛﴿ الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا ﴾|﹜ مقام «المؤمنين» تنصيصاً وتصريحاً بمُحاليّة غرضهم من حيلتِهم، وجعل المُحالية نصبَ العين بصورة تتنفّر عنها النفوسُ وترتعدُ، إذ فيما في الخداع من الاستعارة التمثيلية ما يوقظ النفرةَ.. وفيما في المضارعية من التصوير مع الاستمرار ما يَشْمَئِزُّ منه القلب.. وفيما في المشاركة من المشاكلة نظِير: ﹛﴿ وَجَزٰٓؤُ۬ا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾|﹜ (الشورى:٤.) ما ينتج عدم إنتاج حيلتهم؛ إذ في باب المشاركة فعلُ الفاعل سببٌ لفعل المفعول، وهنا فعلُ المفعول صار سبباً لعُقم خداع الفاعل وعدمِ تأثيره، بل جُعل الخداعُ صورةً واهية كانعكاس المقصد؛ فيما إذا استَهزيتَ بأحدٍ لجهلِه، مع أنه مستبطنٌ علماً ومستَخفٍ استهزاءً بك.. وفيما في التصريح بلفظة ﹛﴿ اللّٰهَ ﴾|﹜ من التنصيص على مُحالية الغرض -إذ خداع النبي عليه السلام ينجر إليه تعالى- ما يثَبّط العقلَ عن الحيلةِ.. وما في ﹛﴿ الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا ﴾|﹜ من جعل الصلة مداراً، إشارة إلى أن المنافقين يتحببون إليهم بصفة الإيمان ويهيِّجون عِرق إيمانهم للتحبب والتداخل فيهم.. وفيه إيماء أيضاً إلى أن جماعة المؤمنين المنوَّرين عقولُهم بنور الإيمان لا تتستر عنهم الحيلةُ فينتج أيضاً عُقمَ حيلتهم..

وفي الثانية: أعني جملة ﹛﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ اِلَّٓا اَنْفُسَهُمْ ﴾|﹜ هو أنَّ في هذا الحصر إشارةً إلى كمال سفاهتهم بعكس العمل في معاملتهم كمَن رمى حجراً إلى جدار فانثنى لكسرِ رأسه؛ إذ رشوا النبالَ لضرر المؤمنين فأُصيبَت أنفسُهم، فكأنهم يخادعون بالذات ذواتِهم..

وفي تبديل «يضرون» ب ﹛﴿ يَخْدَعُونَ ﴾|﹜ إشارة إلى نهاية سفاهتهم، إذ يوجد في أهل العقل مَن يضرّ نفسه قصداً ولا يوجد من يخادع نفسه عمداً إلَّا أن يكون حماراً في صورة إنسان.

وفي عنوان ﹛﴿ اَنْفُسَهُمْ ﴾|﹜ رمزٌ خفي إلى أن نفاقَهم وحيلتهم لمّا كان لحظٍّ نفسانيّ وغرض نفسيّ أنتج نقيض مطلوبهم لنفسهم.

⦁ إن قلت: هذا الحصر يومئ إلى أن خداعهم ما ضرّ الإسلام والمسلمين، مع أن الإسلام ما رأى من شيءٍ ضرراً مثل ما رأى من أنواع النفاق وشُعُباته المنتشرة كالسَّم في عناصر العالم الإسلاميّ؟


Yükleniyor...