أما ﹛﴿ اعْبُدُوا ﴾|﹜ فبحكم جوابيته للنداء العامِّ مناداهُ للطبقات المذكورة يدل على الإطاعة، ويشير إلى الإخلاص، ويرمز إلى الدوام، ويلوّح إلى التوحيد. أي أطيعوا.. وأخلصوا.. وثبِّتوا.. وازدادوا.. ووحّدوا.

وأما ﹛﴿ رَبَّكُمُ ﴾|﹜ فإشارة إلى أن العبادة كما ينبغي أن يُرغَّب فيها، لأنها نسبةٌ شريفة ومناسبة عالية؛ كذلك لابد أن تُطلَب لأنها شكر وخدمة لمن هو يربيكم وتحتاجون اليه.

أما هيئاتُ ﹛﴿ الَّذ۪ي خَلَقَكُمْ وَالَّذ۪ينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾|﹜

فاعلم أن ﹛﴿ الَّذ۪ي ﴾|﹜ الذي جهةُ معلوميته الصلةُ (149)يشير إلى أن معرفة الله تعالى إنما تكون بأفعاله وآثاره لا بكُنهه.

وأن «خَلَق» الممتاز عن الإيجاد والإنشاء بكونه على وجه مقدَّرٍ مستوٍ، إشارة إلى أن استعداد البشر مسدَّد للتكليف.. وأيضا رمز إلى أن العبادة وظيفة، لأنها نتيجة الخلقة وأُجرتُها. فما الثواب إلّا من محض فضل الله تعالى.

وأن ﹛﴿ اَلَّذ۪ينَ ﴾|﹜ بناءً على إبهامه إيماء إلى أن الذين سبقوكم انقرضوا فماتوا فذهبوا.. فلم يبقَ منهم جهةُ المعلومية إلّا كونُهم مخلوقين قبلكم.. فأنتم على شفا جُرف القبر.. فاعتبِروا.. فلا تغتروا بالدنيا.. فتشبثوا بأذيال العبادة التي هي وسيلةُ السعادة الأبدية.

أما كيفيات ﹛﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾|﹜ فاعلم أن «لعل» للرجاء، ففي المرغوب يُقال إطماع، وفي المكروه إشفاق. فالرجاءُ في حق المتكلم هنا حقيقةً محالٌ. فهو إما باعتباره لكن مجازا، وإما باعتبار المخاطَب، وإما باعتبار المشاهدين والسامعين:

أما باعتبار المتكلم فاستعارةٌ تمثيلية، كما أن من جهّز أحدا بأسبابِ خدمةٍ يرجو منه -عُرفا- تلك الخدمة؛ كذلك إن الله جهّز البشر باستعداد الكمال وقابلية التكليف وواسطة الاختيار. ففي الاستعارة إشارة إلى أن حكمةَ خلق البشر هي التقوى.. وكذا رمز إلى أن نتيجة العبادة مرتبةُ التقوى.. وكذلك إيماء إلى أن التقوى أكبرُ المراتب.. وأيضاً تلميح إلى طرز أسلوب الملوك بالإطماع والرمز في موضع الوعد القطعيّ.


Yükleniyor...