فإذا سمعت هذا يجوز لك التطبيق بين هذين المسلكين، لأنه يمكن أن يكون آيةُ ﹛﴿ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾|﹜ إشارةً إلى أن الأرض مع المنظومة الشمسية كانت كعجين عَجَنَتْه يدُ القدرة من جوهر بسيط أعني «مادّة الأثِير» التي هي كالماء السيّال بالنسبة إلى الموجودات فتنفذ جاريةً بينها. وآية ﹛﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَٓاءِ ﴾|﹜ (هود:٧) إشارة إلى هذه المادة التي هي كالماء. و«الأثير» بعد خلقه، هو المركز لأوّل تجلِّي الصانع بالإيجاد، أي فخَلق «الأثيرَ»، ثم صيّره جواهرَ فردةً، ثم جعل البعض كثيفاً، ثم خلق من الكثيف سبع كرات مسكونة، منها أرضنا. ثم إن الأرض بالنظر إلى كثافتها وتصلبها قبل الكل، وتعجيلها في لبس القشر وصيرورتِها من زمان مديدٍ مَنشأَ الحياة مع بقاء كثير من الأجرام السماوية إلى الآن مائعةً نارية.. تكون خلقتُها وتشكلُها من هذه الجهة قبل خلق السماوات. ولما كان تكمُّلُ منافعِها ودَحْوُها (أي بسطها وتمهيدها لتعيّش نوع البشر) بعد تسوية السماوات وتنظيمها تكون السماوات أسبقَ من هذه الجهة مع الاجتماع في المبدأ. فالآيات الثلاث تنظر إلى النقاط الثلاث.

الجواب الثاني: إن المقصد من القرآن ليس درس تاريخ الخِلقة، بل نزل لتدريس معرفة الصانع. ففيه مقامان؛ ففي مقام بيان النعمة واللطف والمرحمة وظهورِ الدليل تكون الأرض أقدمَ، وفي مقام دلائل العظمة والعزة والقدرة تكون السماوات أسبق.. ثم إن ﹛﴿ ثُمَّ ﴾|﹜ كما تكون للتراخي الذاتيّ تجيء للتراخي الرُّتْبي، ف ﹛﴿ ثُمَّ اسْتَوٰٓى ﴾|﹜ أي ثم اعلموا وتفكروا أنه استوى. (207)

المسألة الثالثة في ﹛﴿ سَبْعَ ﴾|﹜ :

اعلم أن الحكمة العتيقة قائلةٌ بأن السماوات تسعة، وتصوَّرَها أهلُها بصورة عجيبة، واستولى فكرُهم على نوع البشر في أعصار، حتى اضطر كثير من المفسرين إلى إمالة ظواهر الآيات إلى مذهبهم. وأما الحكمة الجديدة فقائلة بأن النجوم معلَّقة في الفضاء والخلو، كأنها منكِرة لوجود السماء. فكما أفرطت إحداهما فرّطت الأخرى. وأما الشّريعة فحاكمةٌ بأن


Yükleniyor...