وأن العدول عن لفظ المطر المأنوس المألوف إلى الصيّب رمز إلى أن قطرات ذلك المطر كمصائبَ تُرمى إليهم بقصدٍ فتصيبُهم مع فقد الساتر عليهم.
وأن ذكر ﹛﴿ مِنَ السَّمَٓاءِ ﴾|﹜ مع بداهةِ أن المطر لا يجيء إلّا من جهتها، إيماءٌ بالتخصيص إلى التعميم، وبالتقييد إلى الإطلاق نظيرَ التقييد في ﹛﴿ وَمَا مِنْ دَٓابَّةٍ فِي الْاَرْضِ وَلَا طَٓائِرٍ يَط۪يرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾|﹜ (الأنعام:٣٨) أي مُطبِقٌ آخذٌ بآفاق السماء. وما استدل بعضُ المفسرين بلفظ ﹛﴿ مِنَ السَّمَٓاءِ ﴾|﹜ هنا وفي آيةِ ﹛﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَٓاءِ مِنْ جِبَالٍ ف۪يهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾|﹜ (النور:٤٣) على نزول المطر من جِرم السماء حتى تَخيل «بعضٌ» وجودَ بحرٍ تحت السماء، فنظرُ البلاغة لا يرى عليه سكةَ الحقيقة. بل المعنى: من جهة السماء، والتقييدُ لمَا عرفت. وقد قيل: السماء ما علاك. فالسحاب كالهواء سماء.
وتحقيق المقام: هو أنك إن نظرتَ إلى القدرة، تتساوى الجهاتُ، أي يمكن النزول من أية جهة كانت؛ وإن نظرت إلى الحكمة الإلهية المؤسِّسة للنظام الأحسن في الأشياء المستلزِم لمحافظة الموازنة العمومية المرجِّحة لأقرب الوسائل، فالمطر إنما هو من تكاثف البخار المائي المنتشر في كرة الهواء التي أحدُ أجزائها العشرة ذلك البخار المائيّ المنتشر في أعماقها.
وتوضيحه: أن ذراتِه إذا أمرَتها الإرادةُ الإلهية، يتمثل كلٌّ، ويتسللنَ من الأطراف، ومن كل فجٍ عميق. فيتحزَّبن سحاباً هامراً. ثم بإرادةِ آمرها يشتدّ تكاثفُ بعضٍ فتصير قطراتٍ تأخذها بأيديهم الملائكةُ الذين هم ممثلو القوانين ومَعكس النظامات، لئلا يزاحِمَ ويصادم بعضٌ بعضاً، فيضعونها على الأرض. ولأجل محافظة الموازنة في الجوّ لابد من بدلِ ما يتحلّل بالتقطر، فيُبخَّر البحرُ والأرضُ فيملأ منازلها. وأما تخيّل بعضٍ وجودَ بحر سماويّ فمَحْمِله أنه تَصور المجاز حقيقةً؛ إذ لإراءة خُضرةِ الجوّ (129)لونَ البحر، ولاحتواءِ الجو على ماءٍ أكثرَ من البحر المحيط ما استُبعِد تشبيهُه بالبحر.
أما ﹛﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَٓاءِ مِنْ جِبَالٍ ف۪يهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾|﹜ فاعلم أن الجمود على الظاهر مع التوقّد في استعارتها جمود بارد وخمود ظاهر. إذ كما تَضمَّنَ: ﹛﴿ قَوَار۪يرَ مِنْ فِضَّةٍ ﴾|﹜ (الإنسان:١٦) استعارةً بديعة؛ كذلك يحتوي ﹛﴿ مِنْ جِبَالٍ ف۪يهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾|﹜ على استعارة بديعة عجيبة مستملحة. فكما أن
وأن ذكر ﹛﴿ مِنَ السَّمَٓاءِ ﴾|﹜ مع بداهةِ أن المطر لا يجيء إلّا من جهتها، إيماءٌ بالتخصيص إلى التعميم، وبالتقييد إلى الإطلاق نظيرَ التقييد في ﹛﴿ وَمَا مِنْ دَٓابَّةٍ فِي الْاَرْضِ وَلَا طَٓائِرٍ يَط۪يرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾|﹜ (الأنعام:٣٨) أي مُطبِقٌ آخذٌ بآفاق السماء. وما استدل بعضُ المفسرين بلفظ ﹛﴿ مِنَ السَّمَٓاءِ ﴾|﹜ هنا وفي آيةِ ﹛﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَٓاءِ مِنْ جِبَالٍ ف۪يهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾|﹜ (النور:٤٣) على نزول المطر من جِرم السماء حتى تَخيل «بعضٌ» وجودَ بحرٍ تحت السماء، فنظرُ البلاغة لا يرى عليه سكةَ الحقيقة. بل المعنى: من جهة السماء، والتقييدُ لمَا عرفت. وقد قيل: السماء ما علاك. فالسحاب كالهواء سماء.
وتحقيق المقام: هو أنك إن نظرتَ إلى القدرة، تتساوى الجهاتُ، أي يمكن النزول من أية جهة كانت؛ وإن نظرت إلى الحكمة الإلهية المؤسِّسة للنظام الأحسن في الأشياء المستلزِم لمحافظة الموازنة العمومية المرجِّحة لأقرب الوسائل، فالمطر إنما هو من تكاثف البخار المائي المنتشر في كرة الهواء التي أحدُ أجزائها العشرة ذلك البخار المائيّ المنتشر في أعماقها.
وتوضيحه: أن ذراتِه إذا أمرَتها الإرادةُ الإلهية، يتمثل كلٌّ، ويتسللنَ من الأطراف، ومن كل فجٍ عميق. فيتحزَّبن سحاباً هامراً. ثم بإرادةِ آمرها يشتدّ تكاثفُ بعضٍ فتصير قطراتٍ تأخذها بأيديهم الملائكةُ الذين هم ممثلو القوانين ومَعكس النظامات، لئلا يزاحِمَ ويصادم بعضٌ بعضاً، فيضعونها على الأرض. ولأجل محافظة الموازنة في الجوّ لابد من بدلِ ما يتحلّل بالتقطر، فيُبخَّر البحرُ والأرضُ فيملأ منازلها. وأما تخيّل بعضٍ وجودَ بحر سماويّ فمَحْمِله أنه تَصور المجاز حقيقةً؛ إذ لإراءة خُضرةِ الجوّ (129)لونَ البحر، ولاحتواءِ الجو على ماءٍ أكثرَ من البحر المحيط ما استُبعِد تشبيهُه بالبحر.
أما ﹛﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَٓاءِ مِنْ جِبَالٍ ف۪يهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾|﹜ فاعلم أن الجمود على الظاهر مع التوقّد في استعارتها جمود بارد وخمود ظاهر. إذ كما تَضمَّنَ: ﹛﴿ قَوَار۪يرَ مِنْ فِضَّةٍ ﴾|﹜ (الإنسان:١٦) استعارةً بديعة؛ كذلك يحتوي ﹛﴿ مِنْ جِبَالٍ ف۪يهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾|﹜ على استعارة بديعة عجيبة مستملحة. فكما أن
Yükleniyor...