والروابط والنسب في النظام هباءً منثوراً. فليس نظامُ ذلك النظام إلّا اتصالَه بالسعادة، أي إن النكت والمعنويات في ذلك النظام إنما تتسنبل في عالم الآخرة. وإلّا لانطَفأ جميعُ المعنويات، وتقطّع مجموعُ الروابط، وتمزّقَ كل النسب، وتفتَتَ هذا النظام؛ مع أن القوة المندمجة في النظام تنادي بأعلى صوتها: أن ليس من شأنها الانقضاضُ والانحلال.
وأما البرهان الثاني: فهو أن تمثالَ العناية الأزلية الذي هو الحكمةُ التامة، التي هي رعايةُ المصالح والحِكَم في كل نوع، بل في كل جزئي -بشهادة كلِّ الفنون- يبشّر بقدوم السعادة الأبدية. وإلّا لَزِم إنكار هذه الحِكم والفوائد التي أجبرتنا البداهةُ على الإقرار بها؛ إذ حينئذ تكون الفائدةُ لا فائدة.. والحكمةُ غير حكمةٍ.. والمصلحةُ عدم مصلحة. وإن هذا إلّا سفسطة.
وأما البرهان الثالث المفسّر للثاني: فهو أن الفن يشهد أيضاً أن الصانع اختار في كل شيء الطريقَ الأقصر، والجهةَ الأقرب، والصورةَ الأخف والأحسن. فيدلّ على أن لا عبثية. فيدلّ على أنه جدّيّ حقيقي. وما هو إلا بمجيء السعادة الأبدية. وإلّا لتنزل هذا الوجود منزلةَ العدم الصرف. وتحول كلُّ شيء عبثاً محضاً.. سبحانك ماخلَقْتَ هذا عَبَثاً.
أما البرهان الرابع الموضِّح للثالث: فهو أن لا إسراف في الفطرة بشهادة الفنون. فإن تقاصر ذِهْنُك عن إدراك حِكَم الإنسان الأكبر وهو «العالم» فأمعِن النظر في العالم الأصغر وهو «الإنسان». فإن فن منافع الأعضاء قد شرح وأثبت أن في جسد الإنسان -تقريباً- ستمائة عظم كلٌّ لمنفعة.. وستةَ آلاف عصب هي مجارٍ للدم كلٌّ لفائدة.. ومائةَ وأربعة وعشرين ألفَ مسامةٍ وكوّة للحجيرات التي تعمل في كلٍّ منها خمسُ قوى من الجاذبة والدافعة والممسكة والمصوّرة والمولّدة كلٌّ منها لمصلحة. وإذا كان العالَمُ الأصغر كذا فكيف يكون الإنسان الأكبر أنقصَ منه؟ وإذا كان الجسد الذي لا أهمية له بالنسبة إلى لبِّه بتلك الدرجة من عدم الإسراف، فكيف يُتصوَّر إهمالُ جوهر الروح؟ وإسرافُ كلِّ آثاره من المعنويات والآمال والأفكار؟ إذ لولا السعادةُ الأبدية لتقلصت كلُّ المعنويات وصارت إسرافاً. فبالله عليك، أيُمكن في العقل أن يكون لك جوهرةٌ قيمتُها الدنيا، فتهتم بصدَفها وغلافها حتى لا تخلي
وأما البرهان الثاني: فهو أن تمثالَ العناية الأزلية الذي هو الحكمةُ التامة، التي هي رعايةُ المصالح والحِكَم في كل نوع، بل في كل جزئي -بشهادة كلِّ الفنون- يبشّر بقدوم السعادة الأبدية. وإلّا لَزِم إنكار هذه الحِكم والفوائد التي أجبرتنا البداهةُ على الإقرار بها؛ إذ حينئذ تكون الفائدةُ لا فائدة.. والحكمةُ غير حكمةٍ.. والمصلحةُ عدم مصلحة. وإن هذا إلّا سفسطة.
وأما البرهان الثالث المفسّر للثاني: فهو أن الفن يشهد أيضاً أن الصانع اختار في كل شيء الطريقَ الأقصر، والجهةَ الأقرب، والصورةَ الأخف والأحسن. فيدلّ على أن لا عبثية. فيدلّ على أنه جدّيّ حقيقي. وما هو إلا بمجيء السعادة الأبدية. وإلّا لتنزل هذا الوجود منزلةَ العدم الصرف. وتحول كلُّ شيء عبثاً محضاً.. سبحانك ماخلَقْتَ هذا عَبَثاً.
أما البرهان الرابع الموضِّح للثالث: فهو أن لا إسراف في الفطرة بشهادة الفنون. فإن تقاصر ذِهْنُك عن إدراك حِكَم الإنسان الأكبر وهو «العالم» فأمعِن النظر في العالم الأصغر وهو «الإنسان». فإن فن منافع الأعضاء قد شرح وأثبت أن في جسد الإنسان -تقريباً- ستمائة عظم كلٌّ لمنفعة.. وستةَ آلاف عصب هي مجارٍ للدم كلٌّ لفائدة.. ومائةَ وأربعة وعشرين ألفَ مسامةٍ وكوّة للحجيرات التي تعمل في كلٍّ منها خمسُ قوى من الجاذبة والدافعة والممسكة والمصوّرة والمولّدة كلٌّ منها لمصلحة. وإذا كان العالَمُ الأصغر كذا فكيف يكون الإنسان الأكبر أنقصَ منه؟ وإذا كان الجسد الذي لا أهمية له بالنسبة إلى لبِّه بتلك الدرجة من عدم الإسراف، فكيف يُتصوَّر إهمالُ جوهر الروح؟ وإسرافُ كلِّ آثاره من المعنويات والآمال والأفكار؟ إذ لولا السعادةُ الأبدية لتقلصت كلُّ المعنويات وصارت إسرافاً. فبالله عليك، أيُمكن في العقل أن يكون لك جوهرةٌ قيمتُها الدنيا، فتهتم بصدَفها وغلافها حتى لا تخلي
Yükleniyor...