فاغتمّ لوجود المصيبة حتى صيَّر المصيبة مصيبتين.. ثم إن تتحرَّ اللذةَ فهذا فيه ألمٌ شديد ينتج ألماً أشدَّ، ليس كأمثاله التي فيها لذةٌ مزخرفة.. ثم إنْ لم تنتبه ولم تنزجر لا يبقى إلّا أن يُوسمَ على خرطومِك بوَسمٍ قبيح، وتُعلَن بين الناس لِمنع سرايةِ فسادِك إلى الناس.

كذلك إن الله تعالى قال لزجر المنافقين: ﹛﴿ يُخَادِعُونَ اللّٰهَ ﴾|﹜ بدل «يخادعون النبيّ» لتحميقهم، أي كيف يخادعون النبيّ عليه السلام والنبيُّ مبلِّغٌ عن الله تعالى، فحيلتُهم راجعة إلى الله، والاحتيال مع الله تعالى محالٌ، وطلبُ المحال حُمقٌ. ومِثل هذا الحُمق مما يُتعجَّب منه.

ثم أتبعه ﹛﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ اِلَّٓا اَنْفُسَهُمْ ﴾|﹜ لتسفيههم، أي ليس في فعلكم نفعٌ بل فيه ضرر، وضررُه يعود على أنفسكم، فكأنكم تخادعون أنفسكم.. ثم عقّبه ﹛﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾|﹜ لتجهيلهم أي أيّها الجهلاء! قد صرتم أضلَّ من الحيوان، كالأحجار الجامدة لا تحسّون بالفرق بين الضر والنفع.

ثم أردفه ﹛﴿ ف۪ي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾|﹜ لترذيلهم بانفساد الجوهر، أي إنْ لم يكن لكم اختيارٌ فلا أقلَّ من أن تعرفوا المرض مرضاً، وأن سجيتكم فسدَت. وأن النفاق والحسد مرضٌ في الروح، من شأنه تحريفُ الحقيقة وتغييرُها حتى تظنون الحلو مراً والمرَّ حلواً والسوداء (94)بيضاء والأبيض أسودَ فلا تتبعوه.

ثم زاد ﹛﴿ فَزَادَهُمُ اللّٰهُ مَرَضًا ﴾|﹜ لتذليلهم، أي إن كنتم تطلبون بهذا الدواءَ والتشفّيَ من غيظكم وحسَدكم فهذا داءٌ لا يزيدُكم إلَّا مرضاً على مرض. فأنتم كمَن كَسرَ أحدٌ يدَه فأراد الانتقام فضرَبَه بتلك اليد المكسورة فازداد كسراً على كسرٍ.

ثم قال: ﹛﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ اَل۪يمٌ ﴾|﹜ لتهديدهم، أي إن تتحرَّوا اللذةَ فما نفاقُكم هذا إلَّا فيه ألمٌ شديد عاجل يُنتج ألماً أشدَّ آجلاً، ليس كسائر المعاصي التي فيها نوعٌ من اللذة السفلية العاجلة.

ثم أتمَّه بقول: ﹛﴿ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾|﹜ لِتَوسيمهم بأشنع الوَسْم، أي إن لم تنتبهوا ولم تنتهوا لم يبقَ إلّا أن تُشَهَّروا بين الناس بالكذب المانع للاعتماد لئلّا يتعدى مرضُكم.

أما وجهُ النظم بين أجزاء كلِّ جملة:


Yükleniyor...