وأما هيئات جملة ﹛﴿ وَلَوْ شَٓاءَ اللّٰهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَاَبْصَارِهِمْ ﴾|﹜ فال«واو» -بسر الربط- تلوّح إلى أن يدَ القدرة تتصرف تحت حجاب الأسباب، وأن نظر الحكمة يراقبُ من فوقُ جميعَ العلل.

وأما ﹛﴿ لَوْ ﴾|﹜ فمتضمنةٌ لقياس استثنائيّ غيرِ مستقيم. أي عدمُ المشيئة علةٌ لعدم ذهابهما؛ كما أن عدمَ الذهاب دليلٌ على العلم بعدم المشيئة بذهابهما. وأيضاً رمز إلى أن السبب بلغَ النهاية.

وأما ﹛﴿ شَٓاءَ ﴾|﹜ فإشارة إلى أن الرابط بين السبب والمسبَّب إنما هي المشيئة والإرادة الإلهية. فالتأثيرُ للقدرة، وما الأسباب إلّا حجابُ العزة والعظمة؛ لئلا تباشرَ يدُ القدرة بالأمور الخسيسة في ظاهر نظرِ العقل.

وأما التصريحُ بلفظة ﹛﴿ اللّٰهُ ﴾|﹜ فإشارة إلى زجر الناس عن الابتلاء بالأسباب والانغماس فيها. وأيضاً لدعوة الأذهان إلى رؤية يدِ القدرة خلفَ كل الأسباب.

وأما حذفُ مفعول ﹛﴿ شَٓاءَ ﴾|﹜ وإن كان واجباً بالقاعدة المطّردة، (133)فيجوز بقرينة إخوانه أن يكون إيماءً إلى عدم تأثّر المشيئة والإرادة الإلهية بأحوال الكائنات، وعدم تأثير الأشياء في الصفات الإلهية، كما تتأثر إرادةُ البشر بحُسن الأشياء وقبحها وعظمتِها وصِغَرها.

وأما ﹛﴿ لَذَهَبَ ﴾|﹜ فإشارة إلى أن الأسبابَ ليست مسلطةً ومستولية على المسبّبات، حتى إذا رُفعت بقيت المسبباتُ في جوف العدم تلعب بها يدُ التصادف وتشتّتها بالاتفاق؛ بل يدُ القدرة حاضرةٌ خلف الأسباب. إذا أخرجت الأشياءَ تأخذها يدُ الحكمة الإلهية، بقانون الموازنة والانتظام، ترسلها إلى مواقعَ أُخر ولا تُهملها. كما أن الحرارة إذا خرّبت بُنية الماء، فبالنظام المندمج في الهواء يذهب البخارُ في مجرى معيّن ويسوقُه صانعُه إلى موقع معين. وكذا في ﹛﴿ ذَهَبَ ﴾|﹜ رمز إلى أن الحواسَّ الخمس الظاهرة ليست متولدةً عن الطبيعة، ولا لازمةً لتجاويف السمع والبصر، بل إنما هي هداياه تعالى وعطاياه. وما التجاويفُ والأسباب إلّا شرائطُ عاديةٌ.

Yükleniyor...