﹛﴿ وَكُنْتُمْ اَمْوَاتًا فَاَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُم۪يتُكُمْ ثُمَّ يُحْي۪يكُمْ ثُمَّ اِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾|﹜ إشارةً إلى تلك السلسلة العجيبة المترتبة ذات العُقد الخمس التي تدلّت من أنابيبها عناقيد النِّعم. فلنمهّد خمس مسائل لحلّ تلك العُقد:

المسألة الأولى: في ﹛﴿ وَكُنْتُمْ اَمْوَاتًا ﴾|﹜ .

اعلم أن الإنسان باعتبار جسده بينما كان ذرّاتٍ جامدةً منتشرةً في العالم، إذ تراها دخلت بقانون مخصوص ونظام معيّن تحت انتظام.. ثم بينما تراها متسترة ساكتة في عالم العناصر، إذ تراها انتقلت متسلّلة بدستور معيّن وانتظام يومئ إلى قصد وحكمة إلى عالم المواليد.. (198)ثم بينما تراها متفرقةً ساكنة في ذلك العالم، إذ تراها تحزّبت بطرز عجيب وصارت نطفةً.. ثم بانقلابات متسلسلة علقةً.. فمضغةً.. فلحماً وعظاماً وهلمَّ جرّا.. فكلٌّ من هذه الأطوار وإن كان مكمَّلاً بالنسبة إلى سابقه إلَّا أنه ميّت وموات. (199)

⦁ فإن قلت: الموت عدمُ الحياة وزوالُها ولا حياة فيها حتى تزول؟

قيل لك: اختار المجاز لإعداد الذهن لقبول العقدة الثالثة والرابعة.

المسألة الثانية: في ﹛﴿ فَاَحْيَاكُمْ ﴾|﹜ .

اعلم أن أعجبَ معجزات القدرة وأدقَّها الحياةُ.. وكذا هي أعظمُ كلِّ النعم وأظهر كل البراهين على المبدأ والمعاد.

أما وجه أدقّيتها وغموضها فهو أن أدنى أنواع الحياة حياةُ النبات، وأن أوّل درجاتها تنبّهُ العقدة الحياتية في الحبَّة. وهذا التنبّه -مع شدة ظهوره وعمومه والألفة به من زمان آدم إلى الآن- قد بقي مستوراً عن نظر حكمة البشر.

وأما وجه كونها أعظم النعم، فهو أن الجسم الذي لا حياة فيه ليس له مناسبةٌ إلّا مع مكانه المشخص وما به يختلط، فيكون يتيماً منفرداً ولو كان جبلاً. لكن إذا رأيت جسما ولو صغيرا كالنحل مثلا وقع فيه الحياةُ، حصل له دفعةً مناسباتٌ مع عموم الكائنات وتجارةٌ مع الأنواع، حتى يحقُّ له أن يقول: «مكاني الكائناتُ وهي كمِلكي». إذ إذا انتقل إلى الحياة


Yükleniyor...