فبالحمد يصيرُ الإنسان مَظهراً للصفات الكمالية الإلهية. يدلّ على هذا قول «محي الدين العربي»(*) في بيان حديث «كُنْتُ كَنْزَاً مَخْفِيًّا فَخَلَقْتُ الْخَلْقَ لِيَعْرِفُوني» (14)أي فخلقتُ الخَلق ليكون مرآةً أُشاهِدُ فيها جمالي.
﴿ لِلّٰهِ ﴾ أي الحمد مُختص ومُستحَق للذات (15)الأقدس المشخَّص الذي يُلاحَظ بمفهوم «الواجب الوجود» (16)إذ قد يلاحَظ المشخّص بأمرٍ عام. وهذه اللام متعلقةٌ بمعنَى نفسِها، كأنها تشرّبَت معنى متعلَّقها. (17)وفي اللام إشارةٌ إلى الإخلاص والتوحيد.
﴿ رَبِّ ﴾ أي الذي يربّي العالَم بجميع أجزائه، التي كلٌّ منها كالعالَم عالَمٌ؛ وذرَّاتُه كنجومه متفرِّقةٌ متحرِّكة بالانتظام.
واعلم أن الله عزّ وجلّ عيّن لكلِّ شيء نقطةَ كمالٍ وأودع فيه مَيلاً إليها، كأنه أمَرَه أمراً معنوياً أن يتحرك به إليها، وفي سفره يحتاج إلى ما يُمدُّه ودفعِ ما يَعوِّقهُ، وذلك بتربيته عزّ وجلّ. لو تأملتَ في الكائنات لرأيتَها كبني آدمَ طوائفَ وقبائلَ يشتغل كلٌّ منفرداً ومجتمعاً بوظيفته التي عيَّنَها له صانِعُه ساعياً مُجدّاً مطيعا لقانون خالقه. فما أعجبَ الإنسانَ كيف يشذّ!
﴿ الْعَالَم۪ينَ ﴾ الياء والنون إما علامةُ للإعراب فقط ك«عشرين وثلاثين».. أو للجمعية؛ لأن أجزاء العالَم عَوالمٌ.. أو العالَمُ ليس منحصراً في المنظومة الشمسية. قال الشاعر:
Yükleniyor...