وأن كلاماً واحداً يتفاوت من شخصين، يكون بالنظر إلى واحدٍ ذهباً وإلى الآخر فحماً..

وأن الفنون نتيجةُ تلاحق الأفكار وتتكمّل بمرور الزمان..

وأن كثيراً من النظريات في الماضي صارت بدهيةً الآن..

وأن قياس الماضي على هذا الزمان قياسٌ مثبّط مع الفارق..

وأن أهل الصحراء لا تستر بساطتَهم وصفوتهم الحيلُ والدسائسُ التي تختفي تحت حجاب المدنية..

وأن كثيراً من العلوم إنما يتحصل بتلقين العادات والوقوعات وبتدريس الأحوال لطبيعة البشر بإعداد الزمان والمحيط..

وأن نور نظر البشر لا ينفذ في المستقبل ولا يرى الكيفيات المخصوصة..

وأنه كما أن لحياة البشر عمراً طبيعياً ينقطع؛ كذلك لقانونه عمرٌ طبيعيّ ينتهي البتة..

وأن للمحيط الزماني والمكاني تأثيراً عظيماً في أحوال النفوس..

وأن كثيراً من الخوارق الماضية تصير عادية بتكمّل المبادئ..

وأن الذكاء -ولو كان خارقاً- لا يقتدر على إيجاد فنٍ وتكميله دفعةً بل كالصبيّ يتدرج.

وإذا استحضرتَ هذه المسائل وجعلتها نُصبَ عينيك فتجرَّدْ وتعرَّ من الخيالات الزمانية والأوهام المحيطية، ثم غُصْ من ساحل هذا العصر في بحر الزمان، ماراً تحته إلى أن تخرج من جزيرة عصر السعادة ناظراً على جزيرة العرب! ثم ارفع رأسك والبَس ما خاط لك ذلك الزمانُ من الأفكار، ثم انظر في تلك الصحراء الوسيعة! فأول ما يتجلى لعينك: أنك ترى إنساناً وحيداً لا مُعينَ له ولا سلطنة، يبارزُ الدنيا برأسه.. ويهجم على العموم.. وحمَل على كاهله حقيقةً أجلّ من كرة الأرض.. وأخذ بيده شريعةً هي كافلةٌ لسعادة الناس كافة.. وتلك الشريعة كأنها زبدةٌ وخلاصةٌ من جميع العلوم الإلهية والفنون الحقيقية.. وتلك الشريعةُ ذاتُ حياةٍ لا كاللباس بل كالجلد، تتوسع بنموّ استعداد البشر وتثمر سعادة الدارين، وتنظّم أحوالَ نوع الإنسان كأهلِ مجلسٍ واحد. فإن سُئلتْ: قوانينُها من أين.. إلى أين؟ لقالت

Yükleniyor...