ويشير إلى أن المحلّ ليس بقابلٍ لتولّد الشكوك؛ إذ أقام على الثغور أماراتٍ تتنادى من الجوانب وتطرد الريوب المتهاجمة عليه.
وفي ظرفيةِ ﹛﴿ ف۪يهِ ﴾|﹜ والتعبيرِ ب«فِي» بدلَ أخواتها إشارةٌ إلى إنفاذ النظر في الباطن. وإلى أن حقائقه تطرد وتطيّر الأوهامَ المتوضعة على سطحه بالنظر الظاهر.
فيا مَن آنس قيمةَ التركيب من جانب التحليل، وأدرَك فرقَ الكلِّ عن كلٍّ! انظُر نظرة واحدة إلى تلك القيود والهيئات لترى كيف يلقي كلٌّ حصته إلى المقصد المشترك مع دليله الخاص، وكيف يفور نورُ البلاغة من الجوانب.
اعلم أنه لم يُربَط بين جُمَل ﹛﴿ الٓمٓ ... ذٰلِكَ الْكِتَابُ... لَا رَيْبَ ف۪يهِ... هُدًى لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾|﹜ بحلقات العطف لشدة الاتصال والتعانق بينها، وأخذِ كلٍّ بحَجز سابقتها وذيل لاحقتها. فإن كلَّ واحدة كما أنها دليلٌ لكلٍّ بجهة؛ كذلك نتيجةٌ لكلِّ واحدة بجهة أخرى. ولقد انتقش الإعجاز على هذه الآية بنسج اثني عشر من خطوط المناسبات المتشابكة المتداخلة..
إن شئت التفصيل تأمل في هذا:
﹛﴿ الٓمٓ ﴾|﹜ فإنها تومئ بالمآل إلى: «هذا متحدًّى به، ومَن يبرز إلى الميدان؟» ثم تلوِّح بأنه معجز.
وتفكَّر في ﹛﴿ ذٰلِكَ الْكِتَابُ ﴾|﹜ فإنها تصرِّح بأنه ازداد على أخواته وطمَّ عليها، ثم تلمِّح بأنه مستثنى ممتاز لا يماثَل.
ثم تدبر في ﹛﴿ لَا رَيْبَ ف۪يهِ ﴾|﹜ فإنها كما تُفصح عن أنه ليس محلاً للشك تعلن بأنه منوّر بنور اليقين.
ثم انظُر في ﹛﴿ هُدًى لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾|﹜ إذ إنها كما تهدي إليك أنه يُري الطريق المستقيم؛ تفيدك أنه قد تجسم من نور الهداية.
فكلٌّ منها باعتبار المعنى الأول برهانٌ لرفقائها وباعتبار المعنى الثاني نتيجةٌ لكل منها.
Yükleniyor...