ثم إن أسلوب الكلام قد يكون باعتبار خيالِ المخاطَب كما في أساليب القرآن فلا تنسَ.
ثم إن مراتب الأسلوب متفاوتةٌ، فبعضها أرقُّ من النسيم إذا سرى يُرمَز اليه بهيئات الكلام، وبعضها أخفى من دسائس الحرب لا يشمّه إلّا ذو دهاء في الحرب؛ كاستشمام الزمخشري(∗) مِن ﹛﴿ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَم۪يمٌ ﴾|﹜ (يس:٧٨) أسلوبَ «مَن يبرزُ إلى الميدان».
وإن شئت فتأمّل في الآيات المذكورة ترَ فيها مصداقَ هذه المسائل بألطف وجهٍ.
وإن شئت زُرِ الإمامَ البوصيريَّ(∗) وانظر كيف كتب «رَجَتَتَهُ» (114)بأسلوب الحكيم في قوله:
وَاسْتَفْرغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قَدِ امْتَلأتْ مِنَ الْمَحَارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ
ورَمز إلى الأسلوب بلفظ الحِمية. أو استمع هدهدَ سليمان كيف أومأ إلى هندسته (115)بقوله : ﹛﴿ اَلَّا يَسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذ۪ي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾|﹜ (النمل:٢٥).
المسألة الرابعة
اعلم أن الكلام إنما يكون ذا قوّةٍ وقدرة إذا كان أجزاؤه مصداقاً لمَا قيل:
عِبَاراتُنا شَتى وَحسْنُكَ وَاحِدٌ وَكُلٌّ إلى ذَاكَ الْجَمَالِ يُشيرُ
بأن تتجاوبَ قيوداتُ الكلام ونظمُه وهيئته، ويأخذ كلٌّ بيَد الآخر ويظاهِرَه، ويمدّ كلٌّ بقَدَرِه الغرضَ الكلّيِّ مع ثمراته الخصوصية. كأن الغرضَ المشترك حوضٌ يتشرّب من جوانبه الرّطبةَ، فيتولد من هذه المجاوبةِ المعاونةُ، ومنها الانتظامُ، ومنه التناسبُ، ومنه الحُسنُ والجمال الذاتي. وهذا السر من البلاغة يتلألأ من مجموع القرآن لا سيما في: ﹛﴿ الٓمٓ ❀ ذٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ف۪يهِ هُدًى لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾|﹜ كما سمعتَه مع التنظير بقوله: ﹛﴿ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ ﴾|﹜ (الأنبياء:٤٦).
ثم إن مراتب الأسلوب متفاوتةٌ، فبعضها أرقُّ من النسيم إذا سرى يُرمَز اليه بهيئات الكلام، وبعضها أخفى من دسائس الحرب لا يشمّه إلّا ذو دهاء في الحرب؛ كاستشمام الزمخشري(∗) مِن ﹛﴿ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَم۪يمٌ ﴾|﹜ (يس:٧٨) أسلوبَ «مَن يبرزُ إلى الميدان».
وإن شئت فتأمّل في الآيات المذكورة ترَ فيها مصداقَ هذه المسائل بألطف وجهٍ.
وإن شئت زُرِ الإمامَ البوصيريَّ(∗) وانظر كيف كتب «رَجَتَتَهُ» (114)بأسلوب الحكيم في قوله:
وَاسْتَفْرغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قَدِ امْتَلأتْ مِنَ الْمَحَارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ
ورَمز إلى الأسلوب بلفظ الحِمية. أو استمع هدهدَ سليمان كيف أومأ إلى هندسته (115)بقوله : ﹛﴿ اَلَّا يَسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذ۪ي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾|﹜ (النمل:٢٥).
المسألة الرابعة
اعلم أن الكلام إنما يكون ذا قوّةٍ وقدرة إذا كان أجزاؤه مصداقاً لمَا قيل:
عِبَاراتُنا شَتى وَحسْنُكَ وَاحِدٌ وَكُلٌّ إلى ذَاكَ الْجَمَالِ يُشيرُ
بأن تتجاوبَ قيوداتُ الكلام ونظمُه وهيئته، ويأخذ كلٌّ بيَد الآخر ويظاهِرَه، ويمدّ كلٌّ بقَدَرِه الغرضَ الكلّيِّ مع ثمراته الخصوصية. كأن الغرضَ المشترك حوضٌ يتشرّب من جوانبه الرّطبةَ، فيتولد من هذه المجاوبةِ المعاونةُ، ومنها الانتظامُ، ومنه التناسبُ، ومنه الحُسنُ والجمال الذاتي. وهذا السر من البلاغة يتلألأ من مجموع القرآن لا سيما في: ﹛﴿ الٓمٓ ❀ ذٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ف۪يهِ هُدًى لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾|﹜ كما سمعتَه مع التنظير بقوله: ﹛﴿ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ ﴾|﹜ (الأنبياء:٤٦).
Yükleniyor...