إن المشّائيين عبّروا عنهم بالماهيات المجرَّدة الروحانية للأنواع، والإشْراقيين عبّروا عنها بالعقول وأربابِ الأنواع، وأهلَ الأديان بمَلَك الجبال وملَك البحار وملك الأمطار مثلا. حتى إن الماديين الذين عقولُهم في عيونهم لم يتيسر لهم إنكار معنى الملائكة، بل نظروا إليهم في القوات السارية في نواميس الفطرة.
فإن قلت: أفلا يكفي لارتباط الكائنات وحيويتها هذه النواميسُ وتلك القوانين الجارية في الخلقة؟
⦁ قيل لك: ما تلك النواميس الجارية والقوانين السارية إلا أمور اعتبارية بل وهمية لا يتعين لها وجود ولا يتشخص لها هُويّة إلا بممثِّلاتها ومَعاكسها، ومَنْ هو آخذ برأس خيوطها وإن هي إلّا الملائكة.. وأيضاً قد اتفق الحكماء والعقلُ والنقل على عدم انحصار الوجود في عالم الشهادة الظاهرِ الجامد الغير الموافق لتشكل الأرواح. فعالم الغيب المشتمل على عوالمَ -الموافقُ للأرواح كالماء للسِماك- مشحون بها، (215)مَظهرٌ لحياة عالم الشهادة.. فإذا شهدتْ لك هذه الأمور الأربعةُ على وجود معنى الملائكة فأحسنُ صوَر وجودهم التي ترضى بها العقولُ السليمة ما هو إلّا ما شرحه الشرع من أنّهم عباد مكرمون لا يخالفون ما يؤمَرون، وكذا أنهم أجسام لطيفة نورانية ينقسمون إلى أنواع مختلفة.
المقام الثالث
اعلم أن مسألة الملائكة من المسائل التي يتحقق الكلُّ بثبوت جزء واحد، ويُعلَم النوع برؤية أحد الأشخاص، إذ مَن أنكر أنكر الكلَّ.
ثم كما أنه محال عندك -أيقظك الله- أن يُجمِع أهلُ كلِّ الأديان في كل الأَعصار من آدم إلى الآن على وجود الملائكة وثبوت المحاورة معهم وثبوت مشاهدتهم والرواية عنهم كمباحثة الناس طائفة عن طائفة، بدون رؤية فرد بل أفراد منهم وبدون ضرورة وجود شخص بل أشخاص منهم، وبدون الإحساس بالضرورة بوجودهم؛ كذلك محال أن يقوم وَهْمٌ كذلك في عقائد البشر ويستمر هكذا ويبقى في الانقلابات بدون حقيقة يَتَسَنْبَل عليها وبدون مبادئ ضرورية مولِّدة لذلك الاعتقاد العموميّ. فإذن ليس سندَ هذا الإجماع إلّا حدسٌ تولَّد من
فإن قلت: أفلا يكفي لارتباط الكائنات وحيويتها هذه النواميسُ وتلك القوانين الجارية في الخلقة؟
⦁ قيل لك: ما تلك النواميس الجارية والقوانين السارية إلا أمور اعتبارية بل وهمية لا يتعين لها وجود ولا يتشخص لها هُويّة إلا بممثِّلاتها ومَعاكسها، ومَنْ هو آخذ برأس خيوطها وإن هي إلّا الملائكة.. وأيضاً قد اتفق الحكماء والعقلُ والنقل على عدم انحصار الوجود في عالم الشهادة الظاهرِ الجامد الغير الموافق لتشكل الأرواح. فعالم الغيب المشتمل على عوالمَ -الموافقُ للأرواح كالماء للسِماك- مشحون بها، (215)مَظهرٌ لحياة عالم الشهادة.. فإذا شهدتْ لك هذه الأمور الأربعةُ على وجود معنى الملائكة فأحسنُ صوَر وجودهم التي ترضى بها العقولُ السليمة ما هو إلّا ما شرحه الشرع من أنّهم عباد مكرمون لا يخالفون ما يؤمَرون، وكذا أنهم أجسام لطيفة نورانية ينقسمون إلى أنواع مختلفة.
المقام الثالث
اعلم أن مسألة الملائكة من المسائل التي يتحقق الكلُّ بثبوت جزء واحد، ويُعلَم النوع برؤية أحد الأشخاص، إذ مَن أنكر أنكر الكلَّ.
ثم كما أنه محال عندك -أيقظك الله- أن يُجمِع أهلُ كلِّ الأديان في كل الأَعصار من آدم إلى الآن على وجود الملائكة وثبوت المحاورة معهم وثبوت مشاهدتهم والرواية عنهم كمباحثة الناس طائفة عن طائفة، بدون رؤية فرد بل أفراد منهم وبدون ضرورة وجود شخص بل أشخاص منهم، وبدون الإحساس بالضرورة بوجودهم؛ كذلك محال أن يقوم وَهْمٌ كذلك في عقائد البشر ويستمر هكذا ويبقى في الانقلابات بدون حقيقة يَتَسَنْبَل عليها وبدون مبادئ ضرورية مولِّدة لذلك الاعتقاد العموميّ. فإذن ليس سندَ هذا الإجماع إلّا حدسٌ تولَّد من
Yükleniyor...