والتكلمُ مع الغير في ﹛﴿ نَعْبُدُ ﴾|﹜ لوجوه ثلاثة: (24)

أي نعبدُ نحن معاشر أعضاءِ وذرّاتِ هذا العالم الصغير -وهو أنا- بالشكر العُرفي الذي هو إطاعةُ كلٍّ لما أُمر به.. ونحن معاشر الموحّدين نعبدك بإطاعة شريعتك.. ونحن معاشر الكائنات نعبد شريعتك الكبرى الفطرية (25)ونسجد بالحيرة والمحبة تحت عرش عظمتك وقدرتك.

وجهُ النظم أنّ ﹛﴿ نَعْبُدُ ﴾|﹜ بيانٌ وتفسير ل ﹛﴿ اَلْحَمْدُ ﴾|﹜ ونتيجة ولازم ل ﹛﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدّ۪ينِ ﴾|﹜ .

واعلم أن تقديم ﹛﴿ اِيَّاكَ ﴾|﹜ للإخلاص الذي هو روحُ العبادة. وأن في خطاب الكاف رمزاً إلى علّة العبادة؛ لأن من اتصف بتلك الأوصاف الداعية إلى الخطاب استحق العبادة.

﹛﴿ وَاِيَّاكَ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜ هذه ك ﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾|﹜ باعتبار الجماعات الثلاث:

أي نحن معاشرَ الأعضاء ومعاشر الموحِّدين ومعاشر الكائنات نطلب منك التوفيقَ والإعانةَ على كل الحاجات والمقاصد التي أهمُّها عبادتُك.

كرَّرَ ﹛﴿ اِيَّاكَ ﴾|﹜ لتزييد لذةِ الخطاب والحضور.. ولأن مقام العيان أعلى وأجلُّ من مقام البرهان.. ولأن الحضورَ أدعَى إلى الصدق وبأن لا يكذب.. ولاستقلال كلٍّ من المقصدين.

واعلم أن نظم ﹛﴿ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜ مع ﹛﴿ نَعْبُدُ ﴾|﹜ كنظم الأجرة مع الخدمة؛ لأن العبادةَ حقُّ الله على العبد، والإعانةَ إحسانُه تعالى لعبده. وفي حصر ﹛﴿ اِيَّاكَ ﴾|﹜ إشارةٌ إلى أن بهذه النسبة الشريفة التي هي العبادةُ والخدمة له تعالى يترفَّعُ العبدُ عن التذلل للأسباب والوسائط، بل تصيرُ الوسائطُ خادمةً له وهو لا يعرف إلّا واحداً، فيتجلى حُكْمُ دائرةِ الاعتقاد والوجدانِ كما مرَّ. ومَن لم يكن خادماً له تعالى بحقٍّ يصير خادماً للأسباب ومتذللاً للوسائط. لكن يلزم على العبد وهو في دائرة الأسباب أنْ لا يهمل الأسبابَ بالمرة، لئلا يكون متمرداً في مقابلة النظام المودَع بحكمته ومشيئته تعالى، لأن التوكل في تلك الدائرة عطالةٌ كما مرَّ.

وكنظم المقدِّمة مع المقصود لأن الإعانةَ والتوفيق مقدمةُ العبادة.


Yükleniyor...