المسألة الخامسة
اعلم أن غِناء الكلام وثروتَه ووسعتَه هو أنه كما أن أصل الكلام يُفيد أصلَ المقصد؛ كذلك كيفياتُه وهيئاته ومستتبعاتُه تشير وترمز وتلوّح إلى لوازم الغرض وتوابعه وفروعه، فكأنما تتراءى طبقةً بعد طبقة ومقاماً خلفَ مقام. وإن شئت مثالاً تأمل في ﹛﴿ وَاِذَا ق۪يلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْاَرْضِ ﴾|﹜ إلى آخره، و ﹛﴿ وَاِذَا لَقُوا الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا ﴾|﹜ إلى آخره، على الوجه المفسَّر سابقاً.
المسألة السادسة
اعلم أن المعاني المُجتناة من خريطة الكلام المأخوذةِ المنقوشة ب«فُوطُغْراف» التلفّظ على أنواع مختلفةٍ ومراتبَ متفاوتة. فبعضُها كالهواء يُحسُّ به ولا يُرى.. وبعضها كالبخار يُرى ولا يُؤخذ.. وبعضها كالماء يُؤخذ ولا ينضبط.. وبعضها كالسبيكة ينضبط ولا يتعيّن.. وبعضها كالدُّرِّ المنتظم والذهب المضروب يتشخّص، ثم بتأثير الغرض والمقام قد يتصلّب الهوائي. وقد تعتَور على المعنى الواحدِ الحالاتُ الثلاثُ. ألا ترى أنه إذا أثَّر أمرٌ خارجي في وجدانك يتهيّج قلبُك؟ فيثير الحسياتِ فيتطايرُ معانٍ هوائية فيتولد ميولٌ، ثم يتحصّل بعضُها، ثم يتشكل من ذلك البعض قسمٌ، ثم ينعقد من ذلك القسم بعضٌ. ففي كلٍّ من هذه الطبقات يتوضّع وينعقد البعضُ، ويبقى البعض الآخر معلّقاً كمعلّقية بعضِ الصوت عند تشكّل الحروف، والتِّبنِ عند انعقاد الحبوب. فمن شأن البليغ أن يفيدَ بصريح الكلام ما تعلّق به الغرضُ واقتضاه المقامُ وطلبَه المخاطَبُ. ثم يُحيل الطبقاتِ الأُخَر -بمقدار نسبة درجة القُرب من الغرض- على دلالة القيود، وإشارةِ الفحوى، ورمز الكيفيات، وتلويح مستَتبعات التراكيب، وتلميحِ الأساليب، وإيماءِ أطوار المتكلم. ثم إن من تلك المعاني المعلّقة معانيَ حرفية هوائية ليس لها ألفاظٌ مخصوصة، ولا لها وطنٌ معيّن بل كالسَيَّاح السيَّار؛ قد يستتر في كلمة وقد يتشرّبه كلامٌ وقد يتداخل في قصة، فإن عصرتَ تقطَّر؛ كالتحسّر في: ﹛﴿ اِنّ۪ي وَضَعْتُهَٓا اُنْثٰى ﴾|﹜ (آل عمران:٣٦) والتأسف في «لَيْتَ الشَّبَابَ.. الخ». (116)والاشتياق والتمدح والخطاب والإشارة والتألّم والتحيّر والتعجب والتفاخر وغيرِ ذلك. ثم إن شرط حُسن المعاشرة بين
اعلم أن غِناء الكلام وثروتَه ووسعتَه هو أنه كما أن أصل الكلام يُفيد أصلَ المقصد؛ كذلك كيفياتُه وهيئاته ومستتبعاتُه تشير وترمز وتلوّح إلى لوازم الغرض وتوابعه وفروعه، فكأنما تتراءى طبقةً بعد طبقة ومقاماً خلفَ مقام. وإن شئت مثالاً تأمل في ﹛﴿ وَاِذَا ق۪يلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْاَرْضِ ﴾|﹜ إلى آخره، و ﹛﴿ وَاِذَا لَقُوا الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا ﴾|﹜ إلى آخره، على الوجه المفسَّر سابقاً.
المسألة السادسة
اعلم أن المعاني المُجتناة من خريطة الكلام المأخوذةِ المنقوشة ب«فُوطُغْراف» التلفّظ على أنواع مختلفةٍ ومراتبَ متفاوتة. فبعضُها كالهواء يُحسُّ به ولا يُرى.. وبعضها كالبخار يُرى ولا يُؤخذ.. وبعضها كالماء يُؤخذ ولا ينضبط.. وبعضها كالسبيكة ينضبط ولا يتعيّن.. وبعضها كالدُّرِّ المنتظم والذهب المضروب يتشخّص، ثم بتأثير الغرض والمقام قد يتصلّب الهوائي. وقد تعتَور على المعنى الواحدِ الحالاتُ الثلاثُ. ألا ترى أنه إذا أثَّر أمرٌ خارجي في وجدانك يتهيّج قلبُك؟ فيثير الحسياتِ فيتطايرُ معانٍ هوائية فيتولد ميولٌ، ثم يتحصّل بعضُها، ثم يتشكل من ذلك البعض قسمٌ، ثم ينعقد من ذلك القسم بعضٌ. ففي كلٍّ من هذه الطبقات يتوضّع وينعقد البعضُ، ويبقى البعض الآخر معلّقاً كمعلّقية بعضِ الصوت عند تشكّل الحروف، والتِّبنِ عند انعقاد الحبوب. فمن شأن البليغ أن يفيدَ بصريح الكلام ما تعلّق به الغرضُ واقتضاه المقامُ وطلبَه المخاطَبُ. ثم يُحيل الطبقاتِ الأُخَر -بمقدار نسبة درجة القُرب من الغرض- على دلالة القيود، وإشارةِ الفحوى، ورمز الكيفيات، وتلويح مستَتبعات التراكيب، وتلميحِ الأساليب، وإيماءِ أطوار المتكلم. ثم إن من تلك المعاني المعلّقة معانيَ حرفية هوائية ليس لها ألفاظٌ مخصوصة، ولا لها وطنٌ معيّن بل كالسَيَّاح السيَّار؛ قد يستتر في كلمة وقد يتشرّبه كلامٌ وقد يتداخل في قصة، فإن عصرتَ تقطَّر؛ كالتحسّر في: ﹛﴿ اِنّ۪ي وَضَعْتُهَٓا اُنْثٰى ﴾|﹜ (آل عمران:٣٦) والتأسف في «لَيْتَ الشَّبَابَ.. الخ». (116)والاشتياق والتمدح والخطاب والإشارة والتألّم والتحيّر والتعجب والتفاخر وغيرِ ذلك. ثم إن شرط حُسن المعاشرة بين
Yükleniyor...