ودواءً في وقتِ طفوليةِ النوع، لا يبقى مصلحةً في آخَرَ، ودواءً عند شبابية النوع. ولهذا السرّ نَسخَ القرآنُ بعض الفروع. أي بيّن انقضاءَ أوقات تلك الفروع ودخولَ وقت آخر.

وفي ﹛﴿ مِنْ قَبْلِكَ ﴾|﹜ لطائف:

اعلم أنه ما من كلمة في التنزيل يأبى عنها مكانُها، أو لم يرضَ بها، أو كان غيرُها أولى به. بل ما من كلمة من التنزيل إلا وهي كدُرٍّ مُرصَّعٍ مرصوص متماسك بروابط المناسبات؛ فإن شئتَ مثالاً تأمل في ﹛﴿ مِنْ قَبْلِكَ ﴾|﹜ كيف ترى اللطائف المتطايرة من جوانب هذه الآية تَوَضَّعتْ على هذه الكلمة الفذة.

فإن ﹛﴿ مِنْ قَبْلِكَ ﴾|﹜ تشرّبتْ وتلوّنت -فتُرشِّح وتُرمز بخمس لطائف- المناسباتِ المنعكسة من المقاصد الخمسة المندمجة في مسألة النبوة المسوقةِ لها هذه الآيةَ.

أما المقاصد المندمجة فهي أن محمداً عليه السلام نبيٌّ، وأنه أكمل الأنبياء، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه مُرسل لكافة الأقوام، وأن شريعتَه ناسخةٌ لجميع الشرائع، وجامعةٌ لمحاسنها.

أما وجه انعكاس المقصد الأول في تلك الكلمة، فهو أن ﹛﴿ مِنْ قَبْلِكَ ﴾|﹜ إنما يقال إذا اتّحد المسلك وكان الطريق واحداً. فكأن هذه الكلمة تترشح بأن الحججَ على نبوة مَن قبله وصِدقِ كُتبهم، حُجةٌ بمجموعها بتنقيح المناط (32)وتحقيق المناط بالقياس الأوْلَوِي على نبوة محمد عليه السلام ونزولِ كتابه. فكأن جميعَ معجزاتهم معجزةٌ فذّة على صدق محمد عليه السلام.

وأما وجه انعكاس المقصد الثاني، وهو الأكملية فيها، فهو أن ﹛﴿ مِنْ قَبْلِكَ ﴾|﹜ بناءً على ملاحظة عادةِ «أن السلطان يخرج في أُخريات الناس».. وعلى قاعدة التكمّل في نوع البشر المقتضية لأكملية المربِّي الثاني عن المربِّي الأول.. وعلى أغلبية مهارةِ وزيادةِ الخَلَف على السَّلَف، تلوّح بأن محمداً عليه السلام سلطانُ الأنبياء، أكملُ من كلّهم. كما أن القرآنَ أجمعُ وأجملُ (33)من كُتبهم.


Yükleniyor...