ولفظ ﹛﴿ اَلَّذ۪ينَ ﴾|﹜ إشارة إلى أن هذا نوعٌ من التجارة عجيبٌ خبيث تحدَّثَ وطَفِقَ أن يصير أساساً ومسلكا يمرّ عليه ناس؛ إذ قد مرّ أن الموصول إشارةٌ إلى الحقائق الجديدة التي أخذت في الانعقاد.

ولفظ ﹛﴿ اشْتَرَوُا ﴾|﹜ إشارة إلى ردّ اعتذارهم ب«أن فطرتنا هكذا». فكأن القرآن يقول لهم: لا! ولقد أعطاكم الله أنفاسَ العمر رأسَ مالٍ، وأودع في روحكم استعدادَ الكمال، وغرسَ في وجدانكم نواةَ الحقيقة وهي الهدايةُ الفطرية لتشتروا السعادةَ فاشتريتم بدلَها -بل بتركها- اللذائذَ العاجلة والمنافع الدنيوية فاخترتُم بسوء اختياركم مسلكَ الضلالة على منهج الهداية، فأفسدتُم الهداية الفطرية، وضيّعتم رأسَ مالكم.

ولفظُ ﹛﴿ الضَّلَالَةَ بِالْهُدٰى ﴾|﹜ فيه إشارة إلى أنهم خسِروا خسارةً على خسارة. إذ كما خسروا بالضلالة؛ كذلك خسروا بترك النعمة العظيمة التي هي الهداية.

أما جملة ﹛﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾|﹜ فاعلم أن في تخصيصِ نفي الربح -مع أنهم كما قد خسروا فقد أضاعوا رأسَ المال أيضاً- إشارة إلى أن من شأن العاقل أن لا يُقْدِم على تجارة لا ربح فيها، فضلاً عما فيها خسارةٌ وإضاعةُ رأس المال.. ثم في إسناد الفعل إلى التجارة، مع أن الأصل «فما ربحوا في تجارتهم» إشارةٌ إلى أن تجارتَهم هذه بجميع أجزائها وكلِّ أحوالها وقاطبةِ وسائطها لا فائدةَ فيها، لا جزئياً ولا كليا؛ لا كبعض التجارات التي لا يكون في محصّلها وفذلكتها ربحٌ، ولكن في أجزائها فوائدُ، ولوسائط خدمتها استفاداتٌ.. أما هذه فشرٌّ محض وضررٌ بحت. ونظير هذا الإسناد «نامَ لَيْلُهُ» بدل «نام في الليل»؛ إذ الأول يفيد أن ليلَه أيضا ساكن وساكت كالنائم لا يحرِّك ليلتَه شيءٌ ولا يموِّجه طارقٌ.

وأما جملة ﹛﴿ وَمَا كَانُوا مُهْتَد۪ينَ ﴾|﹜ -أي كما خسروا وأضاعوا المال؛ كذلك قد أضلوا الطريق- فترشيحٌ وتزيين كسابقتها لأسلوب ﹛﴿ اشْتَرَوُا ﴾|﹜.. وأيضاً فيها رمز خفيٌّ إلى ﹛﴿ هُدًى لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾|﹜ في رأس السورة. كأنه يقول: أعطى القرآنُ الهداية فما قَبِل هؤلاء.

∗ ∗ ∗



Yükleniyor...