نعم، إن الله تعالى كما خلَق العالَم وأتقنه صُنعاً واهتم به؛ كذلك خلَق الجوهرَ الفردَ وأتقن صُنعه. ففي نظر القدرةِ الجواهرُ الفردةُ كالنجوم السيارة، لأن قدرتَه تعالى وعلمَه وإرادتَه وكلامَه لازمةٌ للذّات، وذاتية، فليست متجددةً ولا قابلةً للزيادة والنقصان ولا متغيرةً حتى يتداخل فيها المراتبُ؛ إذ العجزُ ضدٌّ لها لا يمكن تداخلُه بينها. فلا فرق بين الذرة والشمس. إذ الممكنُ بتساوي طرفَيه كالميزان ذي الكفتين، لا فرقَ في صرف القوة التي ترفعُ كفةً وتضع أخرى بين أن يكون في الكفتين شمسان أو ذرتان، وهكذا نسبةُ المقدورات بالنسبة إلى القدرة الذاتية اللازمة. وأما بالنسبة إلى قوة الممكنات العارضَة المتغيرةِ المتداخلِ بينها العجزُ فلا موازنةَ.
والحاصل: أنَّ الذرات والأمور الخسيسة لمّا كانت مخلوقةً له تعالى كانت معلومةً له بالضرورة، فلا مُشاحَّة بالبداهة أن يبحث عنها. وعلى هذا السر قال: ﴿ اَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّط۪يفُ الْخَب۪يرُ ﴾ (الملك:١٤) فكيف لا يبحث عنها ولا يتكلم بها مَنْ عَلِم وهو العزيز الحكيم.
وثانية المغالطات: هي أنهم يزعمون أنهم يرون في أسلوب القرآن خلفَ المتكلم تمثالَ إنسانٍ، بدليل البحث عن هذه الأشياء الحقيرة والأمور العادية كأسلوب محاورة البشر. أفلا يتذكر هؤلاء المتجاهلون أنّ الكلام كما ينظر إلى متكلِّمه بجهة؛ كذلك ينظر إلى المخاطَب به بجهات، على ما تقتضيه البلاغة للتطبيق على مقتضى حال المخاطب. فلما كان المخاطَب بشراً وكان البحثُ عن أحواله والمقصدُ تفهيمه، لبِس القرآنُ أسلوبَ البشر الممزوج
Yükleniyor...