الطريق فيحتاجون لإيقاد النار أو اشتعال المصباح ليُبصروا رفقاءهم حتى يستأنسوا ويروا أُهبتهم وأشياءهم كي يحافظوا عليها، ويعرفوا طريقهم ليذهبوا فيها ويتراءى لهم الضواري والمهالك ليجتنبوا. فبينما هم استضاؤوا بنورهم إذ اختطفَتهم آفةٌ سماوية.. وبينما هم في ذروة كمال الرجاء وآنِ الظفر بالمطلوب إذ سقطوا في حضيض اليأس المطلق. فنصَّ على هذا الحال بقوله: ﹛﴿ فَلَمَّٓا اَضَٓاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّٰهُ بِنُورِهِمْ ﴾|﹜.

اعلم أن هذه «الفاء» تشير إلى أنهم أوقدوا النار ليستضيئوا فأضاءت فاطمأنوا بالاستضاءة فتعقّبهم الخيبةُ وسقطوا في أيديهم. وما أشدَّ تأثير العدم عليهم في آن انتظار الحصول! ثم إن هذه الشرطية تستلزم استلزام الإضاءة لذَهاب النور. وخفاءُ هذا الاستلزام يشير إلى تقدير ما يظهر به اللزومُ هكذا: فلما أضاءت استضاؤوا بها فاشتغلوا.. فلم يحافظوا.. فلم يهتموا بها، ولم يعرفوا قدرَ النعمة فيها.. فلم يمدّوها.. فلم يديموها؛ فانطفأتْ. لأنه لمّا كانت الغفلةُ عن الوسيلة للاشتغال بالنتيجة -بسر: ﹛﴿ اِنَّ الْاِنْسَانَ لَيَطْغٰى ❀ اَنْ رَاٰهُ اسْتَغْنٰى ﴾|﹜ (العلق:٦-٧) - سبباً لعدم الإدامة المستلزِم للانطفاء، كان كأن نفسَ الإضاءةِ سببٌ لذَهاب النور.

أما جملة ﹛﴿ وَتَرَكَهُمْ ف۪ي ظُلُمَاتٍ ﴾|﹜ فبعدما أشار إلى خُسرانهم بذَهاب النِعم، بزوال النور، عقّبه بخِذلانهم بنزول النِقم، بالسقوط في الظلمات.

أما جملة ﹛﴿ لَا يُبْصِرُونَ ﴾|﹜ فاعلم أن الإنسان إذا أُظلِمَ عليه وأضلَّ السبيلَ، فقد يسكنُ ويتسلّى برؤية رفقائه ومُرافقه، وإذا لم يُبصِرهما كان السكونُ مصيبةً عليه كالحركة بل أوحشَ.

أما ﹛﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾|﹜ فاعلم أن الإنسان إذا وقع في مثل هذا البلاء قد يتسلَّى ويأمل ويرجو النجاةَ من جهات أربع مترتبة:

فأولاً: يرجو أن يسمع تناجي الخَلْق من القُرى أو أبناء السبيل؛ إن يستمِدَّ يُمدّوه. ولمّا كانت الليلة ساكنةً بَكماءَ استوى هو والأصمُّ، فقال: ﹛﴿ صُمٌّ ﴾|﹜ لقطع هذا الرجاء.

وثانياً: يأمل أنه إن نادى أو استغاث يُحتمل أن يسمعَ أحدٌ فيُغيثه، ولمّا كانت الليلة صماءَ كان ذو اللسان والأبكمُ سواءً، فقال: ﹛﴿ بُكْمٌ ﴾|﹜ لإلقامهم الحجرَ بقطع هذا الرجاء أيضاً.

Yükleniyor...