مِيلاً أتمَّ دَوْرَه يَحدُس في نفسه أن من شأن الآخر أيضاً أن يتمّ دورَه وإن كان بمُهلة؛ كذلك إن من يرى القيامةَ النوعية المكررة في أمثال اليوم والسنة يتحدّس بتولّد ربيع السعادة الأبدية في صُبح يوم الحشر للإنسان الذي شخصُه كنوعٍ.

والمراد من ﹛﴿ الدّ۪ينِ ﴾|﹜ إمّا الجزاءُ، أي يوم جزاءِ الأعمال الخيرية والشرّيّة، أو الحقائقُ الدينية، أي يوم طلوعها وظهورها وغلبةِ دائرة الاعتقاد على دائرة الأسباب؛ لأن الله عزّ وجلّ أودع بمشيئته في الكائنات نظاماً يربط الأسبابَ بالمسبّبات وألجأ الإنسانَ بطبيعته ووَهمِه وخيالِه إلى أن يراعي ذلك النظام ويرتبط به. وكذا وجَّه كلَّ شيء إليه وتَنَزَّه عن تأثير الأسباب في مُلكه. وكلّف الإنسانَ اعتقاداً وإيماناً بأن يراعي تلك الدائرة بوجدانه وروحه ويرتبط بها. ففي الدنيا دائرةُ الأسباب غالبةٌ على دائرة الاعتقاد؛ وفي الأُخرى تتجلى حقائقُ العقائد غالبةً على دائرة الأسباب.

واعلم أن لكلٍّ من هاتين الدائرتين مقاماً معيناً وأحكاماً مخصوصة، فلابد أن يُعطَى كلٌّ حقَّه. فمَن نظر في مقام دائرة الأسباب، بطبيعته ووهمِه وخياله ومقاييس الأسباب، إلى دائرة الاعتقاد اضطر إلى الاعتزال. ومن نظر في مقام الاعتقاد ومقاييسه بروحه ووجدانه إلى دائرة الأسباب أنتج له توكلاً تَنْبَلِياً (21)وتمرّداً في مقابلة المشيئة النَظّامة.

﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾|﹜ في «الكاف» نكتتان:

إحداهما: تضمُّن الخطابِ بسر الالتفات (22)للأوصاف الكمالية المذكورة، إذ ذكرُها شيئاً شيئاً يحرّك الذهن ويُعدِّه ويملؤهُ شوقاً ويهزّه للتوجه إلى الموصوف. ف ﹛﴿ اِيَّاكَ ﴾|﹜ أي يا مَن هو موصوف بهذه الصفات.

والأخرى: أنَّ الخطاب يشير إلى وجوب ملاحظة المعاني في مذهب البلاغة ليكون المقروء كالمُنْزَل، فينجرّ طبعاً وذوقاً إلى الخطاب. ف ﹛﴿ اِيَّاكَ ﴾|﹜ يتضمن الامتثال ب«اُعْبُدْ رَبَّكَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ». (23)


Yükleniyor...