وأيضاً إن العلم تابعٌ للمعلوم، أي على أيّ كيفية يكون المعلومُ، كذلك يحيط به العلمُ، فلا يستند مقاييسُ المعلوم إلى أساساتِ القدَر..
وأيضاً إن الإرادةَ لا تتعلق بالمسبَّب فقط مرةً وبالسبب مرةً أخرى حتى لا تبقى فائدةٌ في الاختيار والسبب؛ بل تتعلق تعلقاً واحداً بالمسبَّب وبسَببه. وعلى هذا السرّ لو قتل شخصٌ شخصاً بالبندقة مثلاً، ثم فرضنا عدمَ السبب والرمي هل يموت ذلك الشخص في ذلك الآن أم لا؟ فأهلُ الجبر يقولون: لو لم يُقتَل لمات أيضاً لتعدد التعلّق، والانقطاع بين السبب والمسبَّب.. وأهلُ الاعتزال يقولون: لم يمت، لجواز تخلّف المرادِ عن الإرادة عندهم.. وأما أهل السنة والجماعة فيقولون: نتوقفُ ونسكتُ؛ إذ فرضُ عدم السبب يستلزم فرضَ عدم تعلّقِ الإرادة والعلمِ بالمسبَّب أيضاً، إذ التعلق واحد. فهذا الفرضُ المحال جازَ أن يستلزم محالاً. فتأمل!
∗ ∗ ∗
مقدمة أخرى
اعلم أن الطبيعيين يقولون: إنَّ للأسباب تأثيراً حقيقياً.. والمجوس يقولون: إنَّ للشرّ خالقاً آخرَ.. والمعتزلة يدّعون: أن الحيوان خالقٌ لأفعاله الاختيارية. وأُسُسُ هذه الثلاثة مبنيةٌ على وهمٍ باطلٍ، وخطأٍ محضٍ، وتجاوزٍ عن الحدِّ وقياسٍ مع الفارق، خدعَهم وثبطهم؛ إذ ذهبوا ظناً منهم إلى التنزيه فوقعوا في شَرَك الشِرك. وإن شئت التفصيلَ فاستمع لمسائل تطرُد ذلك الوهمَ:
منها: أنه كما أن استماع الإنسان وتكلّمَه وملاحظتَه وتفكره جزئيةٌ تتعلق بشيءٍ فشيءٍ على سبيل التعاقُب؛ كذلك همتُه جزئيةٌ لا تشتغل بالأشياء إلَّا على سبيل التناوب.
ومنها: أن قيمةَ الإنسان بنسبة ماهيته.. وماهيتُه بدرجة همّته.. وهمتُه بمقدار أهمية المقصد الذي يشتغل به.
ومنها: أن الإنسان إلى أي شيء توجَّه يفنى فيه وينحبسُ عليه. ومن هذه النقطة ترى الناس -في عُرفهم- لا يُسندون شيئاً خسيساً وأمراً جزئياً إلى شخص عظيم وذاتٍ عال؛ بل إلى
وأيضاً إن الإرادةَ لا تتعلق بالمسبَّب فقط مرةً وبالسبب مرةً أخرى حتى لا تبقى فائدةٌ في الاختيار والسبب؛ بل تتعلق تعلقاً واحداً بالمسبَّب وبسَببه. وعلى هذا السرّ لو قتل شخصٌ شخصاً بالبندقة مثلاً، ثم فرضنا عدمَ السبب والرمي هل يموت ذلك الشخص في ذلك الآن أم لا؟ فأهلُ الجبر يقولون: لو لم يُقتَل لمات أيضاً لتعدد التعلّق، والانقطاع بين السبب والمسبَّب.. وأهلُ الاعتزال يقولون: لم يمت، لجواز تخلّف المرادِ عن الإرادة عندهم.. وأما أهل السنة والجماعة فيقولون: نتوقفُ ونسكتُ؛ إذ فرضُ عدم السبب يستلزم فرضَ عدم تعلّقِ الإرادة والعلمِ بالمسبَّب أيضاً، إذ التعلق واحد. فهذا الفرضُ المحال جازَ أن يستلزم محالاً. فتأمل!
مقدمة أخرى
اعلم أن الطبيعيين يقولون: إنَّ للأسباب تأثيراً حقيقياً.. والمجوس يقولون: إنَّ للشرّ خالقاً آخرَ.. والمعتزلة يدّعون: أن الحيوان خالقٌ لأفعاله الاختيارية. وأُسُسُ هذه الثلاثة مبنيةٌ على وهمٍ باطلٍ، وخطأٍ محضٍ، وتجاوزٍ عن الحدِّ وقياسٍ مع الفارق، خدعَهم وثبطهم؛ إذ ذهبوا ظناً منهم إلى التنزيه فوقعوا في شَرَك الشِرك. وإن شئت التفصيلَ فاستمع لمسائل تطرُد ذلك الوهمَ:
منها: أنه كما أن استماع الإنسان وتكلّمَه وملاحظتَه وتفكره جزئيةٌ تتعلق بشيءٍ فشيءٍ على سبيل التعاقُب؛ كذلك همتُه جزئيةٌ لا تشتغل بالأشياء إلَّا على سبيل التناوب.
ومنها: أن قيمةَ الإنسان بنسبة ماهيته.. وماهيتُه بدرجة همّته.. وهمتُه بمقدار أهمية المقصد الذي يشتغل به.
ومنها: أن الإنسان إلى أي شيء توجَّه يفنى فيه وينحبسُ عليه. ومن هذه النقطة ترى الناس -في عُرفهم- لا يُسندون شيئاً خسيساً وأمراً جزئياً إلى شخص عظيم وذاتٍ عال؛ بل إلى
Yükleniyor...