والسكوت، فأحاطت بهم ظلماتٌ متنوعة.. وأما تنكيرها فإيماء إلى أنها مجهولة لهم، لم يسبق لهم ألفَةٌ بمثلها فتكون أشدَّ وقعاً.

وأما ﹛﴿ لَا يُبْصِرُونَ ﴾|﹜ فتنصيص على أساس المصائب، إذ مَن لم يرَ كان أَرْأَى للبلايا، وبفقد البصر يُبصِر أخفى المصائب. وأما المضارِعية فلتصويرِ وتمثيلِ حالهم نصبَ عين الخيال ليرى السامع دهشتهم فيتحسسَ بوجدانه أيضاً.

وأما تركُ المفعول فللتعميم، أي لا يرون منافعهم ليحافظوها، ولا يُبصرون المهالك كي يجتنبوا عنها، ولا يتراءى الرفقاءُ ليستأنسوا بهم، فكأن كلَّ واحد فردٌ برأسه.

ثم انظر إلى جُمل ﹛﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾|﹜ لتسمع ما تتناجى به؛ إذ هذه الأربعة حدٌّ مشترك بين الممثَّل (123)والممثَّل به، وبرزخ بينهما ومتوجهة إليهما؛ تتكلم عن حال الطَرفين. ومرآة لهما تُريك شأنَهما. ونتيجةٌ لهما تُسمعك قصتهما.

أما الجهة الناظرة إلى الممثَّل به:

فاعلم أن مَن سقط في مثل هذه المصيبة يبقى له رجاءُ النجاة باستماع نجوى مُنجٍ، فاستلزمت أبكميةُ الليلة أصمّيّتَه.. ثم إسماع مغيثٍ، فاقتضت أصميةُ الليل أبكميتَه.. ثم الهدى برؤية نار أو نيّر فانتج تعامي الليلِ عُمْيَه.. (124)ثم العَود إلى بدءٍ، فانسدّ عليه الباب كمَن سقط في وحل كلما تحرك انغمس..

وأما الجهة الناظرة إلى الممثَّل:

فاعلم أنهم لمّا وقعوا في ظلمات الكفر والنفاق أمكن لهم النجاةُ عن تلك الظلمات بطرق أربعة مترتبة:

فأوّلاً: كان عليهم أن يرفعوا رؤوسهم ويستمعوا إلى الحق ويصغوا إلى إرشاد القرآن، لكن لما صارت غَلغَلة (125)الهوى مانعةً لأن يخلُص صدى القرآن إلى صماخهم، وأخذ التهوّس بآذانهم جارّاً لهم عن تلك الطريق، نعى عليهم القرآنُ بقوله: ﹛﴿ صُمٌّ ﴾|﹜ إشارةً إلى انسداد هذا

Yükleniyor...