المنزل، وفنِّ سياسة المدنية، وعلم نظامات العالم، وفنِّ الحقوق، وعلم المعاملات، وفنِّ الآداب الاجتماعية، وكذا وكذا وكذا... الخ. مع أن الشريعة فسّرت وأوضحت في مواقع اللزوم ومظانّ الاحتياج، وفيما لم يلزم أو لم يستعد له الأذهانُ أو لم يساعد له الزمانُ أجملتْ بفذلكة ووضعت أساساً أحالَت الاستنباطَ منه وتفريعَه ونُشُوءَ نَمَائِه على مَشُورة العقول. والحال أن كل هذه الفنون بل ثلثَه بعد ثلاثة عشر عصراً -مع انبساط تلاحق الأفكار وتوسع نتائجها، وكذا في المواقع المتمدنة، وكذا في الأذكياء - لا يوجد في شخص. فمن زيّن وجدانَه بالإنصاف يصدّق بأن حقيقة هذه الشريعة خارجةٌ عن طاقة البشر دائما لاسيما في ذلك الزمان، ويصدّق بمآل ﹛﴿ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾|﹜ .

«والفضل ما شهدت به الأعداء»: (159)

فهذا «قارلائيل»(∗) فيلسوف أمريكا نقل عن الأديب الشهير الألماني وهو «كوته»(∗) إذ قال بعد ما أمعن النظر في حقائق القرآن: «عجباً، أيمكن تكمّل العالم المدني في دائرة الإسلامية؟» فأجاب بنفسه: «نعم، بل المحققون الآن مستفيدون -بجهةٍ- من تلك الدائرة.» ثم قال الناقل: لما طلعتْ حقائقُ القرآن صارت كالنار الجوّالة وابتلعت سائر الأديان، فحُقَّ له؛ إذ لا يحصل شيءٌ من سفسطيات النصارى وخرافات اليهود. فصدّق ذلك الفيلسوفُ مآلَ: ﹛﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِه۪... فَاِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ ﴾|﹜ .

⦁ فإن قلت: إن القرآن وكذا مفسِّرَه -أعني الحديث- إنما أَخذ من كلِّ فنٍّ فذلكةً، وإحاطةُ فذلكاتٍ كثيرة ممكنةٌ لشخص.

قيل لك: إن الفذلكة بحُسن الإصابة في موقعها المناسب، واستعمالَها في أرض منبتةٍ مع أمور مرموزةٍ غيرِ مسموعة -قد أشرنا إليها في النكتة الثانية- تشفّ كالزجاجة عن مَلَكة تامة في ذلك الفن واطلاعٍ تام في ذلك العلم، فتكون الفذلكةُ في حُكم العلم ولا يمكن لشخص أمثالُ هذه.

اعلم أن نتيجة هذه المحاكمات هي أن تستحضر أوّلاً ما سيأتي من القواعد وهي:

أن شخصاً لا يتخصص في فنون كثيرة..

Yükleniyor...