عِبَارَاتُنا شَتَّى وَحُسْنُكَ وَاحِدٌ وَكُلٌ إلى ذَاكَ الْجَمالِ يُشِيرُ


ولهذا السر قد بلغت سلاسةُ القرآن وعلوُّ طبقته ودقةُ نقشه إلى مرتبة الإعجاز.

أما هيئاتُ جملةِ ﹛﴿ اِنَّ اللّٰهَ لَا يَسْتَحْي۪ٓ اَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾|﹜ فاعلم؛

أن ﹛﴿ اِنَّ ﴾|﹜ للتحقيق وردِّ التردد والإنكار فهي إشارة إلى الترددات المتسلسلة المذكورة..

وأن لفظة ﹛﴿ اللّٰهَ ﴾|﹜ لتنبيه الذهن على الخطأ في القياس المذكور.

وأن إيثار ﹛﴿ لَا يَسْتَحْي۪ٓ ﴾|﹜ على «لا يترك» مع أن الحياء -وهو انقباض النفس- محالٌ في حقّه تعالى ونفيُ المحال لا فائدة فيه، إشارةٌ إلى أن الأسباب من الحكمة والبلاغة وغيرهما تقتضي حسنَ التمثيل، فلا علّة للترك إلّا الحياء، والحياءُ عليه تعالى محالٌ، فلا سبب للترك أصلاً فألزمَهم أشدَّ إلزام وألطفَه.. وكذا رمزَ بمشاكلة الصُّحبة إلى كلمتهم الحمقاء من قولهم: «أما يستحي ربُّ محمد من التمثيل بهذه المحقَّرات»..

وأن إيثار ﹛﴿ اَنْ يَضْرِبَ ﴾|﹜ على «من المثل الحقير» مع أنه الأنسب، إشارةٌ إلى أسلوب لطيف وهو أن التمثيل كضرب الخاتم للتصديق والإثبات، أو كضرب السكة للقيمة والاعتبار. وفي الإشارة رمز إلى حسن التمثيل طرداً للأوهام، وكذا إشارة إلى أن التمثيل منهاجٌ مشهور مستحسَن، لأن ضروب الأمثال من القواعد المعروفة.

وأن إيثار ﹛﴿ اَنْ يَضْرِبَ ﴾|﹜ على «ضَرْب» مع أنه الأوجز للإيماء إلى أن منشأ الاعتراض ليس إلّا الخساسة؛ لأن ﹛﴿ اَنْ يَضْرِبَ ﴾|﹜ لعدم استقلاله كأنه لطيفٌ يُمِرّ القصدَ إلى المفعول.. وأما «ضَرْب» فلاستقلاله كأنه كثيف يستوقف القصدَ.

وأن ﹛﴿ مَثَلًا ﴾|﹜ إيماء إلى خاصية التمثيل من تصوير المعقول بالمحسوس، والموهومِ بالمحقق، والغائب بالشاهد. ومنه إيماء إلى ردِّ الوَهم.. وتنكير ﹛﴿ مَثَلًا ﴾|﹜ رمز إلى أن مدار النظر هو ذاتُ التمثيل، وأما الصفات فمحمولةٌ على طبيعة المقام وحال الممثَّل له.

وأن التعميم في ﹛﴿ مَا ﴾|﹜ إشارة إلى تعميم القاعدة لئلا يختص الجواب بما اعترضوا به فالممثَّل له أيّةَ صورة اقتضى استحسنتها البلاغةُ.


Yükleniyor...