مليون حيوان في قطرة، لتتصوروا عظمة الصانع»، لأَوْقع الجمهورَ إما في التكذيب وإما في المغالطة مع أنفسهم والمكابرةِ معها بسبب أن حسهم الظاهريّ -أو غلط الحس- يرى سطحيةَ الأرض ودوران الشمس من البدهيات المشاهَدة. والحال أن تشويش الأذهان -لا سيما في مقدار عشرة أعصر لتشهِّي بعض أهل زماننا- منافٍ لمنهاج الإرشاد وروح البلاغة.
يا هذا! لا تظنن قياس أمثالها على النظريات المستقبلة من أحوال الآخرة، (161)إذ الحس الظاهري لمّا لم يتعلق بجهة منها بقيت في درجة الإمكان فيمكن الاعتقاد والاطمئنان بها فحقها الصريح التصريح بها. لكن ما نحن فيه لما خرج من درجة الإمكان والاحتمال في نظرهم -بحكم غلط الحس- إلى درجة البداهة عندهم فحقه في نظر البلاغة الإبهام والإطلاق احتراماً لحسياتهم وحفظاً لأذهانهم من التشويش. ولكن مع ذلك أشار القرآن ورمز ولوّح إلى الحقيقة، وفَتَح الباب للأفكار ودعاها للدخول بنصب أمارات وقرائن. فيا هذا! إن كنت من المنصفين إذا تأملت في دستورِ: «كلِّم الناس على قدر عقولهم» ورأيت أن أفكار الجمهور -لعدم إعداد الزمان والمحيط- لا تتحمل ولا تهضم التكليفَ بمثل هذه الأمور -التي إنما تتولد بنتائج تلاحق الأفكار- لعرفتَ أن ما اختاره القرآنُ من الإبهام والإطلاق من محض البلاغة ومن دلائل إعجازه.
أما الجواب عن الريب الثالث -وهو إمالةُ بعض ظواهر الآيات إلى منافي الدلائل العقلية وما كشفَه الفن-: فاعلم أن المقصد الأصليّ في القرآن إرشادُ الجمهور إلى أربعة أساسات هي: إثبات الصانع الواحد، والنبوّة، والحشر، والعدالة.. فذكرُ الكائنات في القرآن إنما هو تبَعيّ واستطراديّ للاستدلال؛ إذ ما نزل القرآنُ لدرس الجغرافيا والقوزموغرافيا، (162)بل إنما ذكرَ الكائنات للاستدلال بالصنعة الإِلهية والنِظام البديع على النَّظّام الحقيقي جلّ جلالُه، والحال أن أثر الصنعة والعمد والنظام يتراءى في كل شيء. وكيف كان التشكّل فلا علينا؛ إذ لا يتعلق بالمقصد الأصلي، فحينئذ ما دام أنه يبحث عنها للاستدلال، وما دام أنه يجب كونه معلوماً قبل المُدَّعى، وما دام أنه يُستحسن وضوحُ الدليل.. كيف لا يقتضي الإرشادُ والبلاغةُ تأنيسَ معتقداتهم الحسية، ومماشاةَ معلوماتهم الأدبية بإمالة بعض ظواهر النصوص إليها، لا ليدلّ
يا هذا! لا تظنن قياس أمثالها على النظريات المستقبلة من أحوال الآخرة، (161)إذ الحس الظاهري لمّا لم يتعلق بجهة منها بقيت في درجة الإمكان فيمكن الاعتقاد والاطمئنان بها فحقها الصريح التصريح بها. لكن ما نحن فيه لما خرج من درجة الإمكان والاحتمال في نظرهم -بحكم غلط الحس- إلى درجة البداهة عندهم فحقه في نظر البلاغة الإبهام والإطلاق احتراماً لحسياتهم وحفظاً لأذهانهم من التشويش. ولكن مع ذلك أشار القرآن ورمز ولوّح إلى الحقيقة، وفَتَح الباب للأفكار ودعاها للدخول بنصب أمارات وقرائن. فيا هذا! إن كنت من المنصفين إذا تأملت في دستورِ: «كلِّم الناس على قدر عقولهم» ورأيت أن أفكار الجمهور -لعدم إعداد الزمان والمحيط- لا تتحمل ولا تهضم التكليفَ بمثل هذه الأمور -التي إنما تتولد بنتائج تلاحق الأفكار- لعرفتَ أن ما اختاره القرآنُ من الإبهام والإطلاق من محض البلاغة ومن دلائل إعجازه.
أما الجواب عن الريب الثالث -وهو إمالةُ بعض ظواهر الآيات إلى منافي الدلائل العقلية وما كشفَه الفن-: فاعلم أن المقصد الأصليّ في القرآن إرشادُ الجمهور إلى أربعة أساسات هي: إثبات الصانع الواحد، والنبوّة، والحشر، والعدالة.. فذكرُ الكائنات في القرآن إنما هو تبَعيّ واستطراديّ للاستدلال؛ إذ ما نزل القرآنُ لدرس الجغرافيا والقوزموغرافيا، (162)بل إنما ذكرَ الكائنات للاستدلال بالصنعة الإِلهية والنِظام البديع على النَّظّام الحقيقي جلّ جلالُه، والحال أن أثر الصنعة والعمد والنظام يتراءى في كل شيء. وكيف كان التشكّل فلا علينا؛ إذ لا يتعلق بالمقصد الأصلي، فحينئذ ما دام أنه يبحث عنها للاستدلال، وما دام أنه يجب كونه معلوماً قبل المُدَّعى، وما دام أنه يُستحسن وضوحُ الدليل.. كيف لا يقتضي الإرشادُ والبلاغةُ تأنيسَ معتقداتهم الحسية، ومماشاةَ معلوماتهم الأدبية بإمالة بعض ظواهر النصوص إليها، لا ليدلّ
Yükleniyor...