نعم، كيف يُتصوّر أن تكون الأسبابُ الطبيعية البسيطة الجامدة التي لا شعورَ لها ولا اختيار قابلةً لإِيجاد تلك السلاسل التي تحيّرت الأفهامُ فيها، ولاختراع أفرادها التي كلٌّ منها صنعةٌ عجيبة من معجزات القدرة. فكلُّ الأفراد مع سلاسلها تشهد بلسان حدوثها وإمكانها شهادةً قاطعة على وجوب وجود خالقها جلّ جلالُه.
⦁ إن قلت: فمع هذه الشهادة القاطعة كيف يعتقد الإنسانُ بأمثال ضلالاتِ أزليةِ المادة وحركتِها؟.
قيل لك: إن النظر التبعيّ قد يَرى المحالَ ممكناً، كالمستهلّ الذي رأى الشعرةَ البيضاء من أهدابه هلالَ العيد؛ لأن الإنسان بسبب جوهره العالي وماهيته المكرّمة إنما يدور خلفَ الحق والحقيقة. وإنما يقع الباطلُ والضلال في يده بلا اختيار ولا دعوة ولا تحرٍّ، بل بنظره السطحيّ التبعيّ فيقبله اضطراراً؛ لأنه لمّا تغافل عن النظام الذي هو خيطُ الحِكَم، وتعامى عن ضدية الحركة والمادة للأزلية، احتمل عند نظره التبعي إسنادُ هذا النقش البديع والصنعة العجيبة إلى التصادف الأعمى والاتفاق الأعور. كما قال «الجسريّ»(∗) في مَنْ دخل قصراً مزينا مشتملاً على آثار المدنية، من أنه حينما لا يرى صاحبَه فيعتقد عدمَه يضطر لإِسناد زينته وأساساته إلى الاتفاق والتصادف وناموس الانتخاب الطبيعيّ.
وأيضاً لما تعامى وتغافل عن شهادة كلِّ الحِكم والفوائد في نظام العالَم على اختيارٍ تام وعلم شامل وقدرةٍ كاملة، احتمل في نظره التبعي إثباتُ تأثيرٍ حقيقيٍ لهذه الأسباب الجامدة.
فيا هذا! مع قطع النظر عن دقائق صنعته جلّ جلالُه تأمّلْ في أظهر الآثار التي تسمى «طبيعة» وهو الارتسام -بشرط أن تمزِّق حجابَ الألفة- كيف تُقنع نفسَك ويقبل عقلُك أن خاصيةَ وجهِ المرآة علّة مؤثّرةٌ مناسبة لكشطِ وجهِ السماء، وجَلْبِ صورةِ ارتفاعها ونقشها
Yükleniyor...