التي من شأنها التغير بتبدل الزمان. فكما أن الفصولَ الأربعة ومراتبَ عمر الإنسان تؤثر في تفاوت الأدوية والتلبّس، فكم من دواءٍ في وقت يكون داءً في آخر؛ كذلك مراتبُ عمر نوع البشر تؤثر في اختلاف فروعات الأحكام التي هي دواءُ الأرواح وغذاءُ القلوب.

﹛﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾|﹜.

وجه النظم: اعلم أن هذا المقامَ لكونه مقامَ الخوف والتخلية يناسب المقامات السابقة؛ فيُنظَر بنَظر الحيرة والدهشة إلى مقام توصيف الربوبية بالجلال والجمال، وبنَظر الالتجاء إلى مقام العبودية في ﹛﴿ نَعْبُدُ ﴾|﹜، وبنظر العَجز إلى مقام التوكل في ﹛﴿ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜ ، وبنظر التسلّي إلى رفيقه الدائمي أعني مقام الرجاء والتحلية، إذ أوّل ما يتولد في قلب مَن يرى أمراً هائلاً حِسُّ الحيرةِ، ثم ميلُ الفرار، ثم التوكّلُ عند العجز، ثم التسلّي بعد ذلك الأمر.

⦁ إن قلت: إنَّ الله عزّ وجلّ حكيمٌ غنيٌ، فما الحكمة في خلق الشرّ والقبح والضلالة في العالم؟

قيل لك: اعلم أن الكمال والخير والحُسن في الكائنات هي المقصودةُ بالذات وهي الكليات؛ وأن الشر والقبح والنقصان جزئياتٌ بالنسبة إليها قليلةٌ تبَعيةٌ مغمورة في الخلقة، خلَقَها خالقُها منتشرةً بين الحسن والكمال، لا لذاتها، بل لتكونَ مقدمةً، وواحداً قياسياً، لظهور -بل لوجودِ- الحقائق النسبية للخير والكمال.

⦁ إن قلت: فما قيمةُ الحقائق النسبية حتى استُحسِن لأجلها الشرُّ الجزئي؟

قيل لك: إن الحقائق النسبية هي الروابطُ بين الكائنات.. وهي الخطوط المنسوجُ منها نظامُها.. وهي الأشعة المنعكس منها وجودٌ واحدٌ لأنواعها. وإن الحقائق النسبية أزْيَدُ بألوفٍ من الحقائق الحقيقية؛ إذ الصفات الحقيقية لذاتٍ لو كانت سبعةً كانت الحقائقُ النسبية سبعمائة. فالشرُّ القليل يُغْتَفَر بل يُسْتَحْسَن لأجل الخير الكثير؛ لأن في ترك الخير الكثيرِ -لأن فيه شراً قليلاً- شراً كثيراً. وفي نظر الحكمة: «إذا قابل الشرُّ القليلُ شراً كثيراً صار الشرُّ القليل حسناً بالغير»، كما تقرر في الأصول في الزكاة والجهاد.

وما اشتهر من «أنَّ الأشياء إنما تُعْرَف بأضدادها» معناه: أن وجود الضدِّ سببٌ لظهور


Yükleniyor...