التمايل إلى تقليد أسلوب التنزيل وكثرةِ المعاندين -لو فتشتَها-؛ لم يوافقه شيءٌ منها. كأن نوعَه منحصر في شخصه. فإما هو تحت الكلِّ وهو باطل بالاتفاق. فما هو إلّا فوق الكل.

والوجه الثاني: أن القطع والجزمَ بعدم فعلِهم -مع التقريع عليهم وتحريك أعصابهم في هذا المقام المُشْكِل وفي هذه الدعوى العظيمة- علامةٌ صادقة على أنه واثقٌ أمين مطمئن بمالِه ومقالِه.

والوجه الثالث: أن القرآن كأنه يقول: «إذا كنتم أمراءَ الفصاحة وأشدَّ الناس احتياجاً إليها ولم تقتدروا لم يقتدر عليه البشر». وكذا فيه إشارةٌ إلى أن نتيجة القرآن التي هي الإسلاميةُ كما لم يقتدر على نظيرها الزمانُ الماضي؛ كذا يعجز عن مثلها الزمانُ المستقبل.

وأما نظم: ﹛﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّت۪ي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾|﹜: فاعلم أن تعقيب ﹛﴿ فَاِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ﴾|﹜ ب ﹛﴿ فَاتَّقُوا ﴾|﹜ يقتضي في ذوق البلاغة تقديراً هكذا: «إن لم تفعلوا ولن.. ظهر أنه معجِز، فهو كلام الله، فوجبَ عليكم الإيمان به وامتثال أوامره... ومن الأوامر: يا أيها الناس اعبدوا لتتقوا النار... فاتقوا النار». فأوجَز فأعجزَ.

وأما نظم: ﹛﴿ الَّت۪ي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾|﹜ فاعلم أن المقصد من ﹛﴿ فَاتَّقُوا ﴾|﹜ هو الترهيب، ومعنى الترهيب إنما يؤكد بالتهويل والتشديد فهوّله ب ﹛﴿ وَقُودُهَا النَّاسُ ﴾|﹜ إذ النار التي حطبها كان إنساناً أَخْوَفُ وأدهشُ.. ثم شدّده بعطف الحجارة؛ إذ ما تحرق الحجرَ أشدُّ تأثيراً.. ثم أشار إلى الزجر عن عبادة الأصنام: أي لو لم تتمثلوا أمر الله، وعبدتم أحجاراً لدخلتم ناراً تأكل العُبّادَ ومعبوداتهم.

وأما نظم: ﹛﴿ اُعِدَّتْ لِلْكَافِر۪ينَ ﴾|﹜ فهو أنها توضيحُ وتقريرُ لزوم جزاء الشرط لفعله؛ أي هذه المصيبة ليست كالطوفان وسائر المصائب التي لا تصيب الظالمين خاصة، بل تعمُّ الأبرارَ والأخيار؛ فإنما هذه تختص بالجانين، يجرّها الكفرُ، لا سبيل للنجاة إلّا امتثال القرآن.

ثم اعلم أن ﹛﴿ اُعِدَّتْ ﴾|﹜ إشارة إلى أن جهنم مخلوقةٌ موجودة الآن، لا كما زعَمت المعتزلة.

ثم إن مما يدلّك ويفيد حدساً لك على أبدية جهنم أنك إذا تفكرت في العالم بنظر الحكمة ترى النار مخلوقةً عظيمة مستولية غالبة، كأنها عنصرٌ أساس في العُلويات والسفليات.


Yükleniyor...