كل خيال من نواةٍ من الحقيقة نظيرَ هذا المثال، ولابد في زجاجةِ كلِّ مجازٍ من سراج الحقيقة، وإلّا كانت بلاغتُه الخيالية خرافةً بلا عِرقٍ لا تفيد إلّا حيرةً.
المسألة الثالثة
اعلم أن كمال الكلام وجمالَه وحُلَّتَه البيانية بأسلوبه. وأسلوبُه صورةُ الحقائق وقالبُ المعاني المتّخذ من قطعَات الاستعارة التمثيلية. وكأن تلك القطعاتِ «سيِمُوطُوغْرَاف» (112)خياليّ؛ كإراءة لفظِ «الثمرة» جنتَها وحديقتَها، ولفظِ «بارَزَ» معركةَ الحرب.
ثم إن التمثيلات مؤسسةٌ على سرّ المناسبات بين الأشياء، والانعكاسات في نظام الكائنات، وإخطارِ أمور أموراً؛ كإخطار رؤيةِ الهلال في الثريا في ذهن أبناء النخلة غصنَها الأبيض بالقدم المتقوس بتدلي العنقود. (113) وفي التنزيل:
﹛﴿ حَتّٰى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَد۪يمِ ﴾|﹜ (يس:٣٩)
ثم إنَّ فائدة أسلوبِ التمثيل كما في الآيات المذكورة هي أنّ المتكلم بواسطة الاستعارة التمثيلية يُظهر العروقَ العميقة، ويُوصل المعاني المتفرقة. وإذا وضع بيد السامع طرفاً أمكنَ له أن يجرّ الباقي إلى نفسه، وينتقل إليه بواسطة الاتّصال. فبرؤية بعضٍ يتدرج شيئاً فشيئاً -ولو مع ظُلمة- إلى تمامه. فمن سمِع من الجوهريِّ ما قال في وصف الكلام البليغ: «الكلام البليغ ما ثقبَته الفكرةُ».. ومن الخمّار ما قال فيه: «ما طُبخَ في مراجل العلم».. ومن الجمَّال ما قال فيه: «ما أخذتَ بخطامِه وأنَخْتَهُ في مَبْرك المعنى» ينتقل إلى تمام المقصد بملاحظة الصنعة.
ثم إنَّ الحكمة في تشكل الأسلوب هي أن المتكلم بإرادته ينادي ويوقِظ المعانيَ الساكنة في زوايا القلب كأنها حفاةٌ عراةٌ. فيخرجون ويدخلون الخيالَ، فيلبَسون ما يجدون من الصور الحاضرة بسبب الصنعةِ أو التوغل أو الألفة أو الاحتياج، ولا أقل من لفِّ منديلٍ من تلك الصنعة برأسه، أو الانصباغ بلونٍ ما. وما تجدُه في ديباجة الكتب من براعةِ الاستهلال مِنْ أظهرِ أمثلة هذه المسألة.
المسألة الثالثة
اعلم أن كمال الكلام وجمالَه وحُلَّتَه البيانية بأسلوبه. وأسلوبُه صورةُ الحقائق وقالبُ المعاني المتّخذ من قطعَات الاستعارة التمثيلية. وكأن تلك القطعاتِ «سيِمُوطُوغْرَاف» (112)خياليّ؛ كإراءة لفظِ «الثمرة» جنتَها وحديقتَها، ولفظِ «بارَزَ» معركةَ الحرب.
ثم إن التمثيلات مؤسسةٌ على سرّ المناسبات بين الأشياء، والانعكاسات في نظام الكائنات، وإخطارِ أمور أموراً؛ كإخطار رؤيةِ الهلال في الثريا في ذهن أبناء النخلة غصنَها الأبيض بالقدم المتقوس بتدلي العنقود. (113) وفي التنزيل:
ثم إنَّ فائدة أسلوبِ التمثيل كما في الآيات المذكورة هي أنّ المتكلم بواسطة الاستعارة التمثيلية يُظهر العروقَ العميقة، ويُوصل المعاني المتفرقة. وإذا وضع بيد السامع طرفاً أمكنَ له أن يجرّ الباقي إلى نفسه، وينتقل إليه بواسطة الاتّصال. فبرؤية بعضٍ يتدرج شيئاً فشيئاً -ولو مع ظُلمة- إلى تمامه. فمن سمِع من الجوهريِّ ما قال في وصف الكلام البليغ: «الكلام البليغ ما ثقبَته الفكرةُ».. ومن الخمّار ما قال فيه: «ما طُبخَ في مراجل العلم».. ومن الجمَّال ما قال فيه: «ما أخذتَ بخطامِه وأنَخْتَهُ في مَبْرك المعنى» ينتقل إلى تمام المقصد بملاحظة الصنعة.
ثم إنَّ الحكمة في تشكل الأسلوب هي أن المتكلم بإرادته ينادي ويوقِظ المعانيَ الساكنة في زوايا القلب كأنها حفاةٌ عراةٌ. فيخرجون ويدخلون الخيالَ، فيلبَسون ما يجدون من الصور الحاضرة بسبب الصنعةِ أو التوغل أو الألفة أو الاحتياج، ولا أقل من لفِّ منديلٍ من تلك الصنعة برأسه، أو الانصباغ بلونٍ ما. وما تجدُه في ديباجة الكتب من براعةِ الاستهلال مِنْ أظهرِ أمثلة هذه المسألة.
Yükleniyor...